من باريستا مُلهمة إلى رائدة تحميص.. شيريل نابيت تكشف سر الشغف الذي صنع “ذا أور كوفي”
دبي – علي الزكري
في عالم القهوة، حيث يلتقي العلم بالشغف، وحيث تُصنع الجودة في كل مرحلة من مراحل التحضير، تبرز قصصٌ تستحق أن تُروى. قصصٌ لشخصيات آمنت بقدرتها على تحويل الحب العميق لِـ “حبة القهوة” إلى مسيرة مهنية رائدة، لتُسهم في صياغة هوية جديدة لثقافة القهوة المتخصصة.
“شيريل نابيت” ليست مجرد سيدة أعمال، بل هي قامة في فن التذوق والتحميص، ومُحكمة حسية (Sensory Judge)، وحاصلة على لقب بطولة الإمارات الوطنية للتذوق . رحلتها هي دليلٌ على أن الإصرار المُقترن بالمعرفة يمكن أن يُضيء الطريق من خلف آلة الإسبريسو وصولاً إلى تأسيس مؤسسة رائدة في التحميص والتدريب. إنها حكاية تبدأ بنصيحة صديق وتنتهي بتأسيس محمصة القهوة “ذا أور كوفي” (The Ore Coffee Roastery) كمنصة للجودة والتعليم في المنطقة.
هذه الدعوة ليست مجرد قراءة، بل هي غوص عميق في عقلية رائدة، توازن بين إدارة الأعمال الصعبة، وبين صقل المهارات الحسية الدقيقة. ندعوكم للغوص معنا في رحلة “شيريل نابيت” الملهمة، واكتشاف الأسرار التي تقف خلف تفوقها المتواصل في صناعة القهوة.
- 1. هل يمكنك أن تأخذينا في رحلة مسيرتك المهنية من بداية عملك كباريستا إلى تأسيس محمصة القهوة “ذا أور كوفي”؟ وما الذي ألهمك لاتخاذ هذه القفزة النوعية؟
بدأت رحلتي في عالم القهوة بشكل غير متوقع عن طريق صديقي “كارثيك”، الذي ألهمتني إنجازاته وشغفه في مسابقات القهوة. كانت تلك الشرارة هي ما قادني إلى عالم القهوة المختصة، حيث فتح لي صاحب عملي الأول، الأستاذ “عبده”، الباب. انغمست حينها كلياً في هذا المجال—كنت أدرس بعد العمل، أحصل على الشهادات المتخصصة، وأمارس باستمرار. في غضون ثلاثة أشهر، أصبحت رئيسة الباريستا وبدأت في التحميص على آلة “جين كافيه” (Gene Café) صغيرة فقط لتعلم المزيد.
بعد حوالي عامين، اكتسب عملي معنى أعمق عندما التقيت بمزارعي القهوة من مدينتي، وهذا ما دفعني نحو التحميص الاحترافي،وهو طريق لم يكن سهلاً أبداً. كانت هناك لحظات أردت فيها الاستسلام، لكن دعم زوجي وشريكي في العمل، “سيتارام”، أبقاني مستمرة. بتشجيعه، أكملت تدريبات جمعية القهوة المختصة (SCA)، وتحضيرات اختبار مُقيِّم الجودة (Q Grader)، وساعات لا تُحصى من التدريب.
وفي النهاية، أثمر كل هذا الجهد بفوزي ببطولة الإمارات الوطنية للتذوق. منحني هذا الفوز الثقة اللازمة لبدء محمصة القهوة “ذا أور كوفي”—ليس فقط كعمل تجاري، بل كاستمرار لهدفي. أنا ممتنة لكل من دعمني، زوجي، عائلتي، أصدقائي، ومجتمع القهوة. رحلتي تنتمي إليهم بقدر ما تنتمي إلي.
- 2. لقد حققتِ أداءً ثابتاً ومتميزاً في بطولة الإمارات الوطنية لكأس التذوق على مدى عامين . ما الذي يُغذي شغفك بالتفوق الحسي؟
لقد كنت محظوظة بتقديم أداء جيد في البطولة الوطنية لكأس التذوق، وأعتقد أن الدافع يأتي ببساطة من حبي لِما أفعله. أحاول بذل قصارى جهدي في كل شيء، خاصة عندما يتعلق الأمر بتقييم وتذوق القهوة. أنا أتعلم دائماً، وفضولية باستمرار، وأستمتع حقاً بعملية تقييم جودة القهوة.
ما يحفزني أكثر هو فرصة دعم المزارعين في تحسين محصول القهوة. إذا كانت مهاراتي يمكن أن تساعد ولو قليلاً، فإن هذا وحده يمنحني هدفاً ويجعلني ملتزمة بالنمو والتطور.
- 3. بالنظر إلى الوراء، ما هي أكبر التحديات التي واجهتك في بداية مسيرتك المهنية، وكيف تغلبت عليها؟
في بداية مسيرتي، كان التحدي الأكبر هو وضع أهداف وتوقعات واقعية. أنا بطبعي متفائلة وحاسمة ومستعدة للمخاطرة، وهذا كان يعني أحياناً أنني أتحرك بسرعة كبيرة أو أحمّل نفسي فوق طاقتها. مع مرور الوقت، طورت وعياً ذاتياً وانضباطاً أقوى، واستثمرت في التعلم المستمر لتحسين أسلوبي. الآن، ما زلت أحمل هذا الطموح والرغبة في الفعل، لكنني أوازنهما بالتخطيط الاستراتيجي والتفكير العميق، وهذا ما جعلني أكثر فعالية.
- 4. كيف أثّر حصولك على شهادتي “مُقيِّم الجودة (Q-Grader)” و “حكم حسي” على طريقة تعاملك مع القهوة وتوجيه الآخرين؟
لقد عززت هاتان الشهادتان بشكل كبير ثقتي ونهجي في التعامل مع القهوة. لقد وفرتا لي هيكلاً أوضح لتقييم القهوة، لذا أصبحت أتخذ القرارات بناءً على معايير معايرة بدلاً من مجرد التفضيل الشخصي.
كما غيرت الشهادات طريقة توجيهي للآخرين، أصبح تركيزي أكبر على مساعدة الناس في تطوير مهاراتهم الحسية وفهم سبب ظهور خصائص معينة في القهوة. بشكل عام، دفعني هذا إلى مواصلة التعلم، والبقاء فضولية، ومشاركة ما أعرفه بهدف أكبر.

- 5. كيف تصفين سوق القهوة الحالي في دبي ودول مجلس التعاون الخليجي؟ وهل هناك أي اتجاهات أو تحولات ملحوظة تلاحظينها؟
سوق القهوة في دبي ودول مجلس التعاون الخليجي يتسم بالمنافسة الشديدة والنمو السريع، مدفوعاً بقطاعات استهلاكية متنوعة وتأثير ثقافي قوي. نحن نرى تحولاً من القهوة التقليدية البحتة نحو عروض أكثر ابتكاراً وتجريبية. المشروبات المنكّهة، القهوة المُنقوعة، القهوة المُبرّدة (كولد برو)، والخلطات المختصة تكتسب زخماً مع سعي المستهلكين نحو التمايز والتخصيص. بشكل عام، يتطور السوق بسرعة، وهو حساس للاتجاهات الجديدة ومليء بالفرص للعلامات التجارية التي تبتكر وتتكيف مع التفضيلات المتغيرة.
- 6. القهوة المختصة تنمو عالمياً. كيف ترين تطور سوق دبي مقارنة بالمدن العالمية الكبرى الأخرى؟
يتطور سوق القهوة المختصة في دبي بشكل مختلف بسبب تنوعه وانفتاحه. نمونا لا يحده ثقافة أو تقليد واحد، بل يعكس التأثير العالمي للمدينة وتطورها السريع. مع نمو دبي، ينمو مشهد القهوة معها، ويتكيف بسرعة مع الابتكار، وتغيرات نمط الحياة، وتوقعات المستهلكين الجديدة.
- 7. ما هي النصيحة التي تقدمينها لشخص يتطلع إلى بدء عمل تجاري في مجال القهوة في الإمارات؟
ركز على تقديم شيء فريد وهادف، وادعمه بهدف واضح وخطة متينة. سوق القهوة في الإمارات تنافسي، لذا فإن معرفة ما يميزك ووجود استراتيجية مدروسة جيداً هو مفتاح النجاح.
- 8. يضم “ذا أور كوفي” مركزاً تدريبياً يقدم دورات جمعية القهوة المتخصصة (SCA). ما الذي دفعك لبدء هذا الجانب من العمل؟
بدأنا المركز التدريبي لأننا أردنا المساهمة في نمو صناعة القهوة. من خلال توفير التعليم المناسب ودورات جمعية القهوة المختصة (SCA) المعترف بها دولياً، فإننا نساعد الناس على تعميق معرفتهم، وتحسين مهاراتهم، واكتساب الثقة في حرفتهم.
عندما تمتلئ الصناعة بأفراد مدربين جيداً ومطلعين، يصبح كل شيء يعمل بكفاءة أكبر، من التواصل والعمل الجماعي إلى معايير الجودة والابتكار. هذا لا يفيد الأعمال التجارية فحسب، بل يعزز المجتمع ويدعم سوق قهوة أكثر صحة ونمواً أسرع بشكل عام.
- 9. كيف توازنين بين إدارة محمصة وإدارة مركز تدريب؟
نوازن بين إدارة المحمصة وإدارة المركز التدريبي من خلال التخطيط الهيكلي والتفويض الواضح. أنا وشريكي “سيتا”، بالإضافة إلى فريقنا، نتبع سير عمل محدداً حيث يكون لكل شخص مسؤوليات معينة. هذا يضمن الكفاءة والمساءلة والعمليات اليومية السلسة عبر كلتا منطقتي العمل.
10. ما هي المهارات الأساسية التي يحتاجها الباريستا ومحترفو القهوة اليوم للنجاح؟
يحتاج الباريستا ومحترفو القهوة اليوم إلى أكثر من مجرد المهارات التقنية. يتطلب النجاح الآن قدرات إدارية قوية، والتزاماً بالنمو الشخصي، وفهماً راسخاً لأساسيات الأعمال، بما في ذلك الجوانب المالية، والتسويق، وتجربة العملاء. تساعدهم هذه المهارات على التطور من مجرد مشغلين ماهرين إلى محترفي قهوة متكاملين.

- 11. قدمت جمعية القهوة المختصة (SCA) مؤخراً تقييم قيمة القهوة (CVA). كيف تعتقدين أن هذا سيؤثر على منتجي القهوة والمحمّصين وسوق الإمارات على وجه التحديد؟
من المرجح أن يؤدي إدخال تقييم قيمة القهوة (CVA) إلى زيادة الوضوح والشفافية عبر سلسلة قيمة القهوة. بدلاً من الاعتماد فقط على نظام تسجيل عالمي واحد، يسمح تقييم CVA للمنتجين والمشترين والمحمّصين بتقييم القهوة عبر أبعاد متعددة، بما في ذلك السمات الحسية، والجودة المادية، والقيم المستندة إلى السوق.
بالنسبة للعديد من الأسواق، بما في ذلك الإمارات، هذا يعني أن يمكن لأصحاب المصلحة تكييف تقييم القهوة بناءً على تفضيلات المستهلكين المحددة لديهم، وملامح الذوق الثقافية، والأهداف التجارية، بدلاً من التقيد بالمعايير العالمية. نتيجة لذلك، يفتح تقييم CVA الباب لمزيد من التنوع والابتكار والمرونة في كيفية تقييم القهوة وبيعها وتحديد موقعها.
في نهاية المطاف، يخلق هذا التحول مزيداً من الفرص للمنتجين للتعبير عن تفردهم، وللمحمّصين لتقديم عروض تعكس الطلب المحلي، وللأسواق الناشئة مثل الإمارات لتحديد اتجاهها وهويتها الخاصة ضمن قطاع القهوة المختصة.
- 12. من وجهة نظرك، ما هي أهم الاتجاهات العالمية التي تشكل القهوة المختصة اليوم، بما في ذلك الاستدامة والابتكار؟
في الوقت الحالي، يتم تشكيل القهوة المختصة من خلال بضعة اتجاهات كبيرة. يلعب المجتمع الرقمي دوراً هائلاً، وسائل التواصل الاجتماعي، والبودكاست، والتعليم عبر الإنترنت جعلت من السهل على الناس التعلم، ومشاركة الأفكار، والتواصل أكثر من أي وقت مضى. كما أن الاستدامة تحتل موقع الصدارة، مع زيادة التركيز على المصادر الأخلاقية، والأجور العادلة للمزارعين، والتغليف الصديق للبيئة. وأخيراً، يغير الابتكار طعم القهوة وكيفية تحضيرها، بدءاً من أساليب التخمير الجديدة ووصولاً إلى تكنولوجيا التحضير الأكثر ذكاءً. معاً، تجعل هذه الاتجاهات القهوة المختصة أكثر ترابطاً، وأكثر مسؤولية، وأكثر إثارة من أي وقت مضى.
- 13. ما هي الخطوات القادمة لـ “ذا أور كوفي” وبرامجكم التدريبية؟
نحن نعمل على توسيع عروض منتجاتنا، وتعزيز برامجنا التدريبية، وزيادة تفاعلنا مع مجتمعنا، كل ذلك بهدف منحكم أفضل تجربة ودعم ممكنين في مجال القهوة.
- 14. إذا كان بإمكانك إعطاء نصيحة واحدة لنسختك الأصغر سناً أو للمحترفين الطموحين في مجال القهوة، فماذا ستكون؟
كونوا أقوياء. ثقوا بأنفسكم وحافظوا على تواضعكم.
ثقوا بالعملية، حتى عندما تكون بطيئة أو غير واضحة، وآمنوا بأن ما هو مقدّر لكم سيأتي في وقته.
احموا نزاهتكم قبل كل شيء، لأن المهارة يمكن تعليمها، لكن الشخصية والانضباط يتم اختيارهما.
استمروا في المثابرة، وابقوا متواضعين، ودعوا الشغف يقودكم أكثر من السعي للكمال.


