دبي – علي الزكري
في سبتمبر الماضي، كانت دبي على موعد مع حدثٍ غير مسبوق أدخلها رسميًا إلى صفحات موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بعدما سجّلت سلسلة «روسترز سبيشالتي كوفي هاوس» اسمها كصاحبة أغلى كوب قهوة في العالم بقيمة 680 دولارًا.
الحدث لم يكن مجرد إنجاز تجاري، بل قصة من الشغف، والإصرار، والبحث عن الكمال في كل تفصيل، كما يرويها لـ«قهوة ورلد» أناتولي غوربونوف، المدير العام للمشروبات في المجموعة.
من فكرة صغيرة إلى حلمٍ عالمي
يبدأ أناتولي حديثه قائلاً: «القصة بدأت من رغبتنا في الحصول على بن “إسميرالدا” من بنما، أحد أندر وأغلى أنواع القهوة في العالم. حاولنا لسنوات الفوز به في المزادات العالمية، لكننا كنا نخسر في كل مرة. إلى أن قال لي المؤسس والرئيس التنفيذي كونستانتين هاربوز في يناير الماضي: أريد هذا البن مهما كلف الأمر، استخدم علاقاتك واتصالاتك ودعنا نحصل عليه.»
يضيف أناتولي: «لم يستغرق الأمر أكثر من أسبوع من الاتصالات والبحث حتى وجدت من يمتلك كمية صغيرة منه. وبعد مفاوضات طويلة، اشترينا ثلاثة كيلوغرامات من هذا البن النادر رغم ارتفاع سعره، لكننا كنا نريده بشدة، فحصلنا عليه.»
تجربة لا تُشبه غيرها
لم يكن الهدف تقديم قهوة عادية، بل تجربة استثنائية متكاملة. «أدرجنا قهوة “إسميرالدا” في قائمتنا في أحد فروعنا في البوليفارد بوسط المدينة، وصممنا طريقة تقديم فريدة تمامًا: تُقدَّم في أكواب زجاجية مزدوجة الجدار مصنوعة يدويًا، مع حلوى خاصة أُعدّت خصيصًا لتكمل نكهات القهوة.»
ويتابع أناتولي: «لا يمكن للضيف طلبها مباشرة، بل يجب عليه الحجز مسبقًا قبل يوم كامل، لأننا نحضر رئيس التحميص خصيصًا ليُعدّها أمامه في تجربة فردية حصرية. خلال التحضير نروي للضيف قصة القهوة، رحلتها من المزرعة إلى المزاد، ولماذا تُعدّ من أثمن حبوب البن في العالم.»
من الفكرة إلى الرقم القياسي
في أبريل الماضي، وبعد أسابيع من إدراج “إسميرالدا” في القائمة، طُرحت فكرة جعل التجربة حدثًا عالميًا. «خلال أحد اجتماعاتنا الشهرية، قلنا لأنفسنا: لماذا لا نُسجّل رقمًا قياسيًا عالميًا؟» يقول أناتولي. بدأ التواصل مع إدارة «غينيس»، ليتبيّن بعد مراجعة السجلات أن أغلى كوب قهوة مسجّل في العالم حتى ذلك الحين كان بسعر 140 دولارًا فقط. «أدركنا أن أمامنا فرصة حقيقية لوضع دبي على الخريطة العالمية.»
لكن تحقيق الرقم القياسي لم يكن مجرد إعلان. «كان علينا تقديم كل الأدلة التي تُثبت السعر وسببه: فواتير الشراء من المزاد، نتائج المزادات البنمية، تقارير من نظام نقاط البيع (POS) تُثبت أن القهوة تُباع فعليًا في قائمتنا، وشهود مستقلين. فموسوعة غينيس لا تسجّل رقمًا من دون مبررات واقعية.»
لحظة التزامن المثالي
تم تحديد موعد المحاولة في أغسطس 2025، إلا أن أناتولي لاحظ أن المزاد البنمي السنوي يقام في الشهر نفسه. «انتظرنا النتائج، وفازت مزرعة “إسميرالدا” بثلاث فئات دفعة واحدة، وحققت سعرًا تاريخيًا بلغ نحو 30 ألف دولار للرطل الواحد — الأعلى في تاريخ المزادات العالمية. كان ذلك دليلاً حاسمًا على قيمة القهوة التي حصلنا عليها، فقررنا المضيّ قدمًا.»
وفي 13 سبتمبر، حضر مفتش رسمي من «غينيس» إلى فرع «روسترز» في دبي، حيث أُعدّت القهوة أمامه وسط حضور الشهود والمصورين.
«تم التحقق من كل شيء، من الفواتير إلى طريقة التقديم، وفي نهاية اليوم سلّمنا المفتش شهادة الرقم القياسي العالمي. كانت لحظة مؤثرة لا تُنسى لكل الفريق.»
دبي على خريطة القهوة العالمية
يبتسم أناتولي وهو يستعيد ردود الفعل: « تلقينا اتصالاً من السيد خالد الملا، رئيس جمعية القهوة المختصة في الإمارات، الذي قال إن هذا الإنجاز لا يُعدّ نجاحًا لعلامتنا فقط، بل لدبي بأكملها، التي أثبتت أنها مركز عالمي لصناعة القهوة الراقية.»
ويضيف: «سمحت لنا “غينيس” باستخدام شعارها لمدة ستة أشهر، وهو امتياز نادر للغاية لأنها علامة محمية. استخدمناه على عبوات القهوة وعلّقنا الشهادات في كل فروعنا. النتيجة؟ ارتفاع واضح في الوعي بالعلامة التجارية، وزيادة في الطلب على تجربة “إسميرالدا”، وموجة تغطية إعلامية واسعة شملت قنوات وإذاعات وصحفاً محلية وعالمية.»
ما وراء الإنجاز؟
لم يتوقف تأثير الحدث عند المبيعات أو الشهرة، بل امتد إلى الداخل. «الإنجاز رفع الروح المعنوية للفريق بأكمله. الجميع شعر بأنه جزء من قصة نجاح حقيقية. كما لاحظنا زيادة كبيرة في الطلب على فرص التدريب لدينا. نحن نمتلك برامج تأهيل قوية وأكاديمية داخلية لتدريب العاملين على فنون التحميص والتحضير.»
ويضيف: «نقيم أيضًا مسابقات داخلية لاكتشاف المواهب الجديدة، وهذا يعزز العمل الجماعي ويخلق بيئة مليئة بالحماس والطموح.»
رحلة البحث مستمرة
لا يتحدث أناتولي عن “إسميرالدا” كذروة المسار، بل كبداية لرحلة جديدة… «نواصل البحث عن الأنواع النادرة والاستثنائية. لدينا بالفعل أصناف مثل “كولومبيا ووش ووش” و“تووتي فرووتي”، كما نتفاوض مع شركة يابانية تمتلك مزارع في كوستاريكا، من بينها مزرعة حازت على لقب Cup of Excellence.
نستورد بانتظام بن اليمن، ونراقب باستمرار توافر “جامايكا بلو ماونتن”، رغم أن 95% من إنتاج جامايكا يذهب إلى اليابان. هدفنا أن نحافظ على وجود هذه القهوة الفاخرة دائمًا في قائمتنا.»
ويضيف: «نخطط أيضًا للمشاركة في المزادات القادمة في بنما واليمن، وكذلك المزادات التي ستُقام خلال معرض “عالم القهوة دبي” في يناير المقبل.»
من دبي إلى العالم
تمتلك «روسترز» اليوم تسعة فروع عاملة في دبي، والعاشر يُفتتح في دبي هيلز الأسبوع المقبل، مع خطط للوصول إلى 12 فرعًا بنهاية العام.
«نعمل كذلك على التوسع إلى أبوظبي، هونغ كونغ، ولندن، ونعتبر السوق السعودية وجهة واعدة لامتيازنا التجاري. رؤيتنا أن تكون “روسترز” رمزًا للجودة والابتكار في عالم القهوة عالميًا.»
