Site icon عالم القهوة

فضيحة قهوة كونا.. حين كشفت الجيوكيمياء الحقيقة وأعادت الاعتبار للأصالة

A lush Kona coffee farm on the slopes of Mauna Loa in Hawaii, overlooking the Pacific Ocean under a bright blue sky.

دبي – قهوة ورلد

في مطلع هذا الشهر، أكتوبر 2025، كشفت السلطات الأمريكية عن واحدة من أكبر قضايا الاحتيال في تاريخ تجارة القهوة الحديثة، بعد أن وجّه الادعاء الفدرالي اتهامات رسمية إلى باتريشيا جونسون، البالغة من العمر 66 عامًا من منطقة كونا في هاواي، لتورطها في بيع كميات ضخمة من القهوة المزيّفة على أنها “100% كونا”.

وبحسب وثائق المحكمة التي نشرتها قناة Hawaii News Now في 2 أكتوبر 2025، استوردت جونسون على مدى أكثر من عشر سنوات نحو 88 طنًا متريًا (ما يعادل 194 ألف رطل) من القهوة منخفضة التكلفة من أمريكا الجنوبية، ثم أعادت تعبئتها وتسويقها في الولايات المتحدة على أنها قهوة كونا الأصلية، محققة أرباحًا بملايين الدولارات. هذه العملية الممنهجة تسببت في أضرار جسيمة لسمعة المزارعين الأصليين في هاواي، الذين يعتمدون على جودة تربة كونا البركانية وشهرتها العالمية.

تُعد قهوة كونا من أكثر أنواع القهوة تميزًا في العالم، إذ تُزرع على منحدرات بركان ماونا لوا في هاواي، ضمن تربة بركانية غنية بالعناصر المعدنية الفريدة، تمنح الحبوب طابعًا متوازنًا ونكهة فاكهية ناعمة يصعب تكرارها في أي مكان آخر. هذا التميز جعلها هدفًا مثاليًا لعمليات الغش التجاري، إذ يسعى بعض التجار إلى استغلال اسمها التجاري اللامع لتحقيق مكاسب سريعة. ومع تزايد المنتجات التي تحمل اسم “كونا” بأسعار منخفضة في الأسواق، بدأت الشكوك تدور حول مدى أصالتها، لتبدأ معها تحقيقات موسّعة استخدمت أدوات علمية دقيقة غير مسبوقة في عالم القهوة.

ففي عام 2020، نشر فريق من الباحثين في جامعة يوتا بقيادة بيتر وزملائه دراسة علمية رائدة في مجلة Food Chemistry 320، أثبتوا فيها أن حبوب القهوة المحمّصة تحتفظ ببصمة معدنية فريدة تعكس التركيب الجيولوجي للتربة التي نمت فيها. استخدم العلماء تقنية التحليل الطيفي الكتلي للعناصر النزرة (ICP-MS) لقياس 44 عنصرًا في عينات من قهوة أرابيكا من 21 دولة، وركّزوا على مقارنة نِسَب محددة بين العناصر مثل Rb/Ni وMn/Sr وCe/Yb، والتي تبقى ثابتة حتى بعد التحميص، ما يجعلها دليلًا علميًا موثوقًا لتحديد منشأ القهوة بدقة.

اعتمد المحققون الأمريكيون على هذه المنهجية الجيوكيميائية لتحليل عينات القهوة المشكوك في أصلها. وكشفت النتائج أن البصمة المعدنية لهذه القهوة لا تتطابق مع البصمة المعروفة لتربة كونا البركانية الغنية بالبازلـت، بل تتطابق مع تربة أمريكا الجنوبية ذات التكوين القاري الأقدم، مما قدّم دليلًا علميًا قاطعًا على عملية الاحتيال. لقد أثبتت هذه النتائج أن “التربة لا تكذب أبدًا”، وأن العلم قادر على إعادة الحقائق إلى نصابها حتى بعد مرور سنوات من الغش التجاري.

لم تكن القضية مجرد نزاع تجاري، بل محطة فاصلة في مسار حماية الأصول الزراعية حول العالم. فقد أظهرت هذه الفضيحة الدور الحيوي للعلوم الحديثة في دعم العدالة التجارية، وحماية المزارعين الذين يعتمدون على صدق منشأ منتجاتهم. ويرى خبراء القهوة أن هذا التطور العلمي لم يفضح عملية احتيال وحسب، بل فتح الباب أمام مرحلة جديدة من الشفافية في تجارة القهوة العالمية، يمكن من خلالها تتبع مصدر كل حبة قهوة بدقة علمية لا تقبل الشك.

ومن المتوقع أن تسهم هذه القضية في توسيع استخدام التحاليل الجيوكيميائية لتوثيق المنشأ الجغرافي في منتجات أخرى مثل الكاكاو والعسل وزيت الزيتون، وهو ما يجعل العلم شريكًا أساسيًا في حماية الاقتصاد الزراعي العالمي. لقد أثبتت فضيحة كونا أن الغش يمكن أن يخدع الأسواق والمستهلكين لبعض الوقت، لكنه لا يستطيع أن يخدع الأرض التي نبتت منها الحبوب، فبصمة التربة تبقى الدليل الأصدق على الحقيقة والأصالة.

“قد تكذب الملصقات، لكن التربة لا تكذب أبدًا.”

Spread the love
Exit mobile version