دبي – قهوة ورلد
حين نتأمل تنوع النكهات في فناجين القهوة من مختلف بقاع العالم، ندرك أن وراء هذا التنوع عاملًا خفيًا لكنه حاسم، وهو الأصناف الوراثية التي تُعرف بالـ Varietals. هذه الأصناف تمثل الجذور الجينية التي تحدد شخصية القهوة، تمامًا كما تحدد أصناف العنب هوية النبيذ. من خلال هذه الاختلافات، تتشكل الفوارق بين فنجان كيني بنكهة العنب الأسود وفنجان إثيوبي بنفحات الياسمين والبرغموت، لتكشف أن لكل صنف قصة تاريخية وزراعية وحسية تستحق أن تُروى.
تُعتبر القهوة الأرابيكا، التي نشأت من شرق أفريقيا وانتقلت عبر اليمن إلى العالم، الأساس الذي انبثقت منه معظم الأصناف التجارية اليوم. ويأتي تيبيكا في مقدمة هذه الأصناف باعتباره الأصل الكلاسيكي للأرابيكا، المعروف بحلاوته النظيفة وتوازنه رغم محدودية إنتاجه وحساسيته للأمراض. من هذا الأصل نشأت طفرات مثل ماراجوجيبي البرازيلي بحبوبه العملاقة، وموندو نوفو الذي جمع بين تيبيكا وبوربون وأصبح ركيزة في مزارع البرازيل بفضل إنتاجيته العالية. كما ظهر باكامارا في السلفادور كأحد أكثر الأصناف إثارة للإعجاب بفضل تعقيده الزهري والفاكهي.
أما بوربون، الذي وُلد كطفرة من تيبيكا على جزيرة رينيون، فقد أصبح أحد أعمدة القهوة المختصة بنكهاته الناعمة والشوكولاتية ولمحاته الفاكهية. ومنه جاءت أصناف مثل كاتورا القزمية ذات الحموضة المشرقة، وباكاس من السلفادور، وكاتواي الذي جمع بين سهولة الزراعة والتوازن في الكوب. وفي كينيا، طوّر مختبر سكوت الزراعي أصناف SL28 وSL34 التي صارت مرادفًا للحموضة النبيذية ونكهات التوت والعنب الأسود، وجعلت من كينيا أيقونة في المزاج الحسي العالمي. كما يبرز لورينا، أو بوربون بوانتو، من جزيرة رينيون، بنكهاته الناعمة ومحتواه المنخفض طبيعيًا من الكافيين.
وإذا كانت أصناف تيبيكا وبوربون تمثل الجذور الأولى، فإن الوراثات الإثيوبية تجسد كنز التنوع الجيني. من مرتفعات إثيوبيا خرجت أصناف أصبحت رموزًا للجودة، أبرزها جيشا التي وجدت شهرتها في بنما بفضل تعقيدها الزهري الذي يشبه الشاي، وإرغاشيفي التي عُرفت بلمساتها الليمونية النظيفة، وسيدامو بنكهاته الفاكهية والنبيذية، وهرر الغني بنكهات التوت الأزرق والشوكولاتة.
ومع تحديات القرن العشرين مثل صدأ أوراق القهوة، برزت الحاجة إلى أصناف أكثر مقاومة، فظهرت الهجائن الحديثة مثل كاتيمور وسارتشيمور التي امتازت بإنتاجيتها العالية وقدرتها على الصمود، وكاستييو الذي أصبح صنفًا استراتيجيًا في كولومبيا، إلى جانب رويرو 11 وباتيان في كينيا التي سعت للموازنة بين الجودة والمقاومة. وفي البرازيل، ظهر أوباتا وإيكاتو كأصناف هجينة قادرة على التكيّف مع ظروف بيئية صعبة.
ولا يمكن إغفال أصناف أخرى مثل فيلا سارشي وفيالوبوس من كوستاريكا، أو تيبيكا ميورادو من الإكوادور الذي يقارب في تعقيده جيشا، أو حتى إيوجينويديس الذي لا يُزرع تجاريًا لكنه يمثل أحد والدي الأرابيكا جينيًا، ويُعاد إليه الفضل في تطوير معرفة أعمق بمستقبل القهوة.
الأصناف ليست مجرد تقسيمات زراعية، بل هي لغة يتحدث بها المنتج والمزارع والمستهلك. هي هوية للمزارع وسردية للتجار وعامل فارق في المزادات العالمية. وهي أيضًا أداة لمواجهة تحديات المستقبل مع تغيّر المناخ وازدياد التهديدات المرضية. ومن هنا، يصبح إدراك الأصناف ليس ترفًا معرفيًا بل ضرورة لكل من يريد أن يفهم القهوة في عمقها: من الحقل إلى الفنجان.
خرائط النسب: عائلات الأصناف
-
سلالة تيبيكا: الأصل الكلاسيكي، تفرعت منها ماراجوجيبي وموندو نوفو وباكامارا.
-
سلالة بوربون: غنية ومرنة، نتجت منها كاتورا، باكاس، كاتواي، SL28، SL34، ولورينا.
-
الوراثات الإثيوبية: كنز التنوع الجيني؛ جيشا، إرغاشيفي، سيدامو، هرر.
-
الهجائن الحديثة: برامج مقاومة الأمراض والإنتاجية؛ كاتيمور، سارتشيمور، كاستييو، رويرو 11، باتيان، أوباتا، إيكاتو.
-
أصناف أخرى: فيلا سارشي، فيالوبوس، تيبيكا ميورادو، موكا، ليبيريكا، إيوجينويديس.
الموسوعة المصغرة للأصناف
سلالة تيبيكا (Typica)
-
تيبيكا: الأصل شرق أفريقيا → اليمن → آسيا → الأميركيتان؛ حلاوة نظيفة وتوازن كلاسيكي، إنتاجية منخفضة.
-
ماراجوجيبي: طفرة من تيبيكا (البرازيل)؛ حبوب عملاقة، نكهات رقيقة، جسم أخف.
-
موندو نوفو: هجين طبيعي بين تيبيكا وبوربون؛ إنتاجية عالية، جسم متماسك، نكهات جوزية.
-
باكامارا: هجين باكاس × ماراجوجيبي (السلفادور)؛ معقد، زهري وفاكهي، حبوب ضخمة.
سلالة بوربون (Bourbon)
-
بوربون: جزيرة رينيون؛ ناعم، فاكهي، شوكولاتة، إنتاجية جيدة.
-
كاتورا: طفرة قزمية من بوربون (البرازيل)؛ حموضة مشرقة، جسم خفيف.
-
باكاس: السلفادور؛ متوازن، حلاوة واضحة، لمحات حمضيات.
-
كاتواي: هجين كاتورا × موندو نوفو (البرازيل)؛ معتدل وسهل الزراعة.
-
SL28: كينيا؛ حموضة نبيذية، نكهات التوت والعنب الأسود.
-
SL34: كينيا؛ جسم ممتلئ، فاكهية واضحة.
-
لورينا (بوربون بوانتو): جزيرة رينيون؛ منخفض الكافيين، ناعم وزهري.
الوراثات الإثيوبية
-
جيشا/غيشا: إثيوبيا → بنما؛ زهري، شاي، ياسمين وبرغموت.
-
إرغاشيفي: إثيوبيا؛ ليموني وزهري، ناعم.
-
سيدامو: إثيوبيا؛ فاكهي ونبيذي، معقد.
-
هرر: إثيوبيا؛ توت أزرق، شوكولاتة، جسم أثقل.
الهجائن الحديثة
-
كاتيمور: كاتورا × هجين تيمور؛ مقاوم للصدأ، جودة متباينة.
-
سارتشيمور: فيلا سارشي × هجين تيمور؛ متأقلم، كوب معتدل.
-
كاستييو: كولومبيا؛ مقاوم، متوازن ونظيف.
-
رويرو 11: كينيا؛ مقاوم، نكهات كشمش أسود.
-
باتيان: كينيا؛ كوب متوازن، حموضة مشرقة.
-
أوباتا: البرازيل؛ مقاوم، فاكهي ومعتدل.
-
إيكاتو: برازيل (أرابيكا × روبوستا)؛ حلو، جوزي.
-
كولومبيا (الصنف): كولومبيا؛ جسم معتدل، حموضة نظيفة.
أصناف أخرى بارزة
-
فيلا سارشي: كوستاريكا؛ حلاوة، لمحات حمضيات.
-
فيالوبوس: كوستاريكا؛ عطري، متوازن.
-
تيبيكا ميورادو: الإكوادور؛ زهري ومعقد.
-
موكا: حبوب صغيرة مستديرة؛ نكهات مكثفة، شوكولاتية.
-
ليبيريكا: غرب أفريقيا → آسيا؛ خشبي قوي، نكهات عطرية مميزة.
-
إيوجينويديس: نوع بري (أحد والدي الأرابيكا)؛ قليل الكافيين، حلاوة طبيعية.
العوامل التي تُغيّر «صوت» الصنف في الكوب
-
الارتفاع: يبطئ نضج الحبة ويرفع الكثافة، فيزيد الحموضة والتعقيد.
-
التربة والمناخ: العناصر المعدنية والرطوبة تحدد النكهات.
-
المعالجة:
-
مغسولة: نظافة وحموضة.
-
طبيعية: فاكهية ونبيذية.
-
عسلي/لاهوائي: حلاوة ونكهات استوائية.
-
-
الحصاد والفرز: النضج المتجانس يرفع الجودة.
-
التحميص: يترجم الفوارق الجينية إلى نكهات محسوسة.
الأمراض والتكيف المناخي
-
صدأ الأوراق: أبرز تهديد؛ حفّز تطوير هجائن مقاومة مثل كاتيمور وكاستييو.
-
الحرارة والجفاف: تدفع نحو أصناف أكثر صلابة وإدارة زراعية حديثة.
-
الاستراتيجية: تنويع الأصناف في المزرعة يقلّل المخاطر.
الخلاصة
الأصناف هي العمود الفقري لعالم القهوة. فهي تحمل التاريخ، وتحدد الطعم، وتشكل المستقبل الزراعي. إدراكها يساعد المستهلك على تقدير الفنجان بعمق، ويعطي المزارع والتاجر أدوات أفضل لمواجهة تحديات السوق والمناخ.