A ceramic espresso cup filled with creamy coffee sits on a saucer decorated with green leaves and red berries, accompanied by a transparent stirrer. Beside it, a golden-brown fried pastry is served on a white plate with a small garnish of yellow sauce and a cherry tomato, all placed on a wooden table in soft natural light.

جيل جديد من مستهلكي القهوة

بقلم الدكتور شتيفن شفارز

كما تعولمت زراعة القهوة وإنتاجها، كذلك انتشرت أنماط استهلاكها عالميًا. فقد كانت أوروبا (خصوصًا الدول الإسكندنافية وإيطاليا) وأمريكا الشمالية تاريخيًا من أكبر مستهلكي القهوة. لكن اليوم، تشهد الأسواق الناشئة – بما في ذلك العديد من الدول المنتجة للبن – ثورة في أنماط الشرب المحلي، بعد أن كانت تُصدر أغلب إنتاجها. هذا التحول جعل القهوة منتجًا مطلوبًا محليًا، وليس فقط سلعة للتصدير.

البرازيل: من مزرعة عالمية إلى دولة عاشقة للقهوة

لطالما اعتُبرت البرازيل “سلة بن العالم”، لكنها أصبحت اليوم أيضًا من أكبر الدول المستهلكة له. فالاستهلاك المحلي في البرازيل يُقدَّر بنحو 22 إلى 23 مليون كيس سنويًا، وهو رقم يقترب من حجم استهلاك الولايات المتحدة – أكبر مستهلك للقهوة عالميًا. ويستهلك البرازيليون اليوم نحو نصف ما ينتجونه. هذا النمو مدفوع بثقافة القهوة المتجذرة في المجتمع (مثل قهوة الكافيزينيو التقليدية)، وارتفاع مستويات الدخل، وحجم السكان الهائل. ومع أن البرازيل ما زالت تصدّر معظم محاصيلها، فإن السوق المحلية تُعدّ قاعدة طلب مستقرة وتفتح المجال لإبقاء عمليات التحميص والمعالجة والقيمة المضافة داخل البلاد.

فيتنام: نهضة ثقافية قهوية

فيتنام، ثاني أكبر منتج للبن في العالم، كانت تقليديًا تميل أكثر إلى شرب الشاي وتصدير القهوة. إلا أن المشهد تغيّر كثيرًا مع ظهور ثقافة قهوة فيتنامية مميزة – مثل “قهوة الحليب المكثف المثلجة” (cà phê sữa đá) – وانتشار المقاهي التي تلبي أذواق الطبقة الوسطى الشابة. وتشير بيانات وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن الاستهلاك المحلي في فيتنام سيصل إلى 4 ملايين كيس في موسم 2024/2025، مع توقعات ببلوغه 4.9 ملايين كيس في 2025/2026. ورغم أن معدل الاستهلاك للفرد لا يزال متواضعًا، فإن السوق المحلية تنمو بثبات إلى جانب صادراتها الضخمة.

الهند: من تقاليد الشاي إلى مقاهي القهوة

الهند بلد معروف بتقاليد شرب الشاي، لكن القهوة تشهد فيه صعودًا سريعًا. إذ ساعد التوسع الحضري وتغير أنماط الحياة وانتشار سلاسل المقاهي في نمو الطلب على القهوة. ورغم أن الاستهلاك لا يتجاوز 1.3 إلى 1.5 مليون كيس سنويًا، فقد نما السوق بنحو 30% بين عامي 2018 و2024. ويتوقع المحللون أن يتضاعف السوق المحلي للقهوة في الهند بحلول عام 2030، مع توسع سلاسل المقاهي خارج الولايات الجنوبية وانتقال ثقافة القهوة إلى الأجيال الشابة.

الصين: المستهلك العملاق يستيقظ

لا توجد قصة أكثر دراماتيكية من قصة القهوة في الصين. بعد أن كانت دولةً يغلب عليها شرب الشاي، شهدت الصين طفرة هائلة في استهلاك القهوة خلال العقد الماضي، بنسبة نمو تقارب 150%. فقد ارتفعت واردات القهوة من أقل من 1 مليون كيس في 2014/2015 إلى 3.6 ملايين كيس متوقعة في 2024/2025. ومن المتوقع أن يصل إجمالي استهلاك القهوة في الصين إلى 6.3 ملايين كيس هذا العام، ارتفاعًا من 2.5 مليون فقط قبل عشر سنوات.

وتزرع الصين البن أيضًا، خصوصًا في مقاطعة يونان التي تنتج نحو 1.9 مليون كيس من أرابيكا، لكن هذا يغطي فقط 30% من الطلب المحلي. أما النسبة المتبقية فتأتي من الواردات، خاصة من البرازيل وكولومبيا (التي تجاوزت فيتنام مؤخرًا كمصدر رئيسي). ومع تحول الذوق الصيني من القهوة سريعة التحضير إلى القهوة المختصة، تتغير أنماط التجارة العالمية وأسعار البن.

زيادة الاستهلاك المحلي في الدول المنتجة

تشهد دول أخرى منتجة للبن نفس الظاهرة. في إندونيسيا، تنمو سلاسل المقاهي المحلية في المدن الكبرى، وفي إثيوبيا، ما تزال طقوس تحضير القهوة تحتفظ بمكانتها المركزية في الحياة اليومية إلى جانب مشهد مقاهي متزايد. أما في أمريكا الوسطى، فترسخت ثقافة المقاهي في دول مثل غواتيمالا وكوستاريكا، رغم أن التصدير لا يزال هو النشاط الأساسي.

حتى الأسواق الناشئة المستوردة، مثل تركيا ومصر والجزائر، تُظهر طلبًا قويًا على القهوة أو مشروبات مشابهة لها. لكن التحول الأكبر يتمثل في أن الدول المنتجة أصبحت اليوم تستهلك نحو 30% من القهوة العالمية، مقارنة بأقل من 20% في تسعينيات القرن الماضي، حسب بيانات المنظمة الدولية للقهوة (ICO). وهذا يعني تنوعًا جغرافيًا أوسع في الطلب العالمي. كما أن الطلب المحلي يساعد على امتصاص الفوائض في مواسم الإنتاج الكبيرة، لكنه يضيف ضغطًا في حالات نقص المحصول أو ارتفاع الأسعار، إذ يتنافس المستهلك المحلي مع المستوردين العالميين على حصة السوق.

نظرة مستقبلية وإشارات تساؤل

ما يلفت الانتباه هو أن النمو في أسواق مثل الصين والهند والبرازيل وفيتنام والمكسيك مرشح للاستمرار. فهذه الدول تضم أعدادًا ضخمة من السكان، لكن بمعدلات استهلاك فردي منخفضة مقارنة بأوروبا. لذا فإن أي زيادة بسيطة في معدل الاستهلاك لكل فرد تعني قفزات هائلة في الطلب الإجمالي.

هذا يمنح الصناعة آفاقًا واعدة على المدى الطويل، لكنه يثير تساؤلات مهمة:

  • هل تستطيع الإنتاجية مجاراة هذا النمو؟

  • كيف يمكن ضمان الاستدامة والجودة في ظل التوسع؟

  • وهل ستحفّز هذه الطفرة الدول المنتجة على الاحتفاظ بقيمة مضافة محليًا، مثل التحميص والتعبئة والترويج، بدلًا من تصدير الحبوب الخام؟

هذه التساؤلات تمهّد للجزء التالي من تحليلنا، حيث نناقش التحديات البيئية، ومعوقات سلاسل التوريد، وديناميكيات السوق التي ستحدد مستقبل القهوة العالمي.

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon