Site icon عالم القهوة

عمالقة جدد في إنتاج القهوة

عمالقة جدد في إنتاج القهوة

بقلم الدكتور شتيفن شفارز 

لطالما كانت جذور القهوة ممتدة في إفريقيا، ثم ازدهرت شهرتها عالميًا انطلاقًا من أمريكا اللاتينية. لكن في العقود الأخيرة، أعادت خريطة الإنتاج العالمي رسم نفسها، لتُبرز قوى جديدة في المشهد. ولعل أبرز تلك التحولات تمثل في الصعود السريع لدولة فيتنام، التي أصبحت اليوم إحدى ركائز السوق العالمي.

في ثمانينيات القرن الماضي، لم تكن فيتنام تُذكر بين كبار المنتجين. لكن بفضل إصلاحات اقتصادية كبرى (سياسة “دوي موي”) واستثمارات حكومية ضخمة، تحوّلت المرتفعات الوسطى إلى مركز ضخم لزراعة الروبوستا عالية الإنتاج. فقد قفز الإنتاج من 91,000 طن فقط عام 1975 إلى ما يقارب 1.8 مليون طن في أواخر العقد الثاني من القرن الـ21، لتحجز لنفسها حصة تتراوح بين 17% إلى 18% من الإنتاج العالمي. وعادة ما تُنتج فيتنام بين 27 إلى 30 مليون كيس سنويًا، معظمها من الروبوستا.

لكن موسم 2023/2024 شكّل تراجعًا حادًا، حيث أفادت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) بأن الجفاف والحرارة الشديدة تسببا في انخفاض الإنتاج بنسبة 20%. ووسط ارتفاع الأسعار محليًا، لجأ المزارعون إلى تخزين المحاصيل على أمل تحقيق أرباح أعلى لاحقًا، مما صعّب على المصدرين الحصول على الحبوب في بداية الموسم.

وتشير التوقعات إلى تحسّن في المواسم القادمة، حيث من المنتظر أن يصل الإنتاج إلى 29 مليون كيس في 2024/2025، و31 مليون كيس في 2025/2026، لتُعزز فيتنام مكانتها كأكبر مصدر للروبوستا عالميًا. كما يُتوقع أن تعود الصادرات إلى الارتفاع لتبلغ 27 مليون كيس بحلول 2025/2026، بعد تراجعها في النصف الأول من الموسم بسبب احتفاظ المزارعين بمخزونهم.

ورغم هذا الإنجاز، إلا أن النمو السريع اعتمد على نظم الزراعة الأحادية المكثفة والتوسع في الأراضي، وهما نهجان يواجهان الآن إعادة تقييم بسبب تصاعد التحديات المناخية.

ما بعد فيتنام: قوى ناشئة أخرى

في آسيا، تحتفظ إندونيسيا بموقعها بين كبار المنتجين. فإلى جانب أرابيكا من سومطرة وجاوة وسولاويزي، تُنتج البلاد كميات كبيرة من كانيفورا (روبوستا) في سومطرة الجنوبية. ورغم تراجع الإنتاج بنسبة 16.5% في 2023 بسبب الأمطار الغزيرة، تتجه الأوضاع للتعافي. إذ تتوقع وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) أن يبلغ الإنتاج 10.9 مليون كيس في 2024/2025، مقارنة بـ8.1 مليون كيس في العام السابق، بزيادة ملحوظة تبلغ 2.7 مليون كيس من الكانيفورا.

وفي إفريقيا، تحتفظ إثيوبيا بمكانة رمزية وعملية كبرى. فعلى الرغم من كونها تحتل المرتبة الخامسة تقريبًا من حيث الحجم، إلا أنها تُعد مهد الأرابيكا. ومعظم الإنتاج الإثيوبي يأتي من مزارعين صغار، وقد سجل رقمًا قياسيًا بلغ 11.6 مليون كيس في 2025/2026. وتستهلك البلاد داخليًا نحو 50% من إنتاجها، مما يعكس عمق ارتباط القهوة بالثقافة المحلية. ورغم ذلك، فقد وصلت صادراتها إلى 2.6 مليار دولار بفضل تحسين الجودة وتوسيع فرص الوصول للأسواق.

أما أوغندا، فهي تنافس إثيوبيا في حجم الإنتاج الإفريقي، مع تركيز أكبر على كانيفورا، وهي نوع محلي الأصل، إلى جانب أرابيكا من مرتفعات جبل إلغون.

أمريكا الوسطى ومنافسون آخرون

في أمريكا الوسطى، تفوقت هندوراس مؤخرًا على جيرانها لتصبح أكبر منتج إقليمي، بعد تعافيها من وباء “الصدأ” الذي ضرب المحاصيل عام 2012، وهي تُصدر حاليًا أكثر من 6 ملايين كيس سنويًا.

أما المكسيك، فقد استعادت بعض قوتها بعد سنوات من التراجع، مع استقرار الإنتاج عند 4 ملايين كيس تقريبًا. وقد ارتفع إنتاج الأرابيكا بنسبة 5.2% هذا العام، لكن إنتاج الكانيفورا انخفض بمقدار الثلث بسبب موجات الحر التي ضربت مزارع المناطق المنخفضة في ولاية فيراكروز. ويُبرز هذا التفاوت كيف أن نجاح كل نوع يعتمد على الظروف المناخية الدقيقة.

خريطة عالمية متغيرة

تشمل خارطة إنتاج القهوة عالميًا:

وتبقى القهوة محصولًا عالميًا بامتياز، تنتجه عشرات الدول، وتتغير خريطته باستمرار بتأثير الاقتصاد والمناخ والتقنيات الزراعية. وبين مزارع صغيرة وكبيرة، من الشرق إلى الغرب، يواصل هذا القطاع الحيوي التحول، مشكلًا مشهدًا جديدًا لمستقبل القهوة عالميًا.

Spread the love
Exit mobile version