دبي، 2 سبتمبر 2025 – (قهوة ورلد) – تتجه صناعة القهوة الأميركية إلى مرحلة من الاضطراب العميق بعد فرض إدارة الرئيس دونالد ترامب رسوماً جمركية واسعة على واردات البن من معظم الدول المنتجة، في وقت ترتفع فيه الأسعار العالمية إلى مستويات لم تُسجَّل منذ أكثر من عقد. الأزمة لم تقتصر على المستوردين والمحمصات، بل امتدت إلى المستهلك الذي يواجه خيارات صعبة بين التكيف مع الأسعار الجديدة أو تغيير عادات استهلاكه اليومية.
الأسعار بين التضخم العالمي والرسوم الأميركية
تشير بيانات التضخم إلى أن متوسط سعر القهوة المحمصة في متاجر التجزئة بالولايات المتحدة ارتفع بنسبة 14.8% منذ يوليو 2024، بينما بلغت الزيادة الإجمالية منذ عام 2021 نحو 84% للرطل الواحد، ليصل سعر الرطل في يوليو الماضي إلى 8.41 دولار مقارنة بـ4.56 دولار قبل أربع سنوات.
على المستوى العالمي، صعدت أسعار البن بنسبة 59% على أساس سنوي وبأكثر من 34% خلال شهر أغسطس 2025 وحده. ويعود ذلك إلى تراجع المخزونات العالمية من البن العربي إلى أقل من 14.5 شهرًا، وهو أدنى مستوى منذ عقد كامل. هذه القفزات انعكست مباشرة على المستهلك الأميركي، حيث تجاوز سعر بعض أكياس القهوة المميزة 20 دولارًا للعبوة سعة 12 أونصة، وهو مستوى غير مسبوق في أسواق التجزئة.
الرسوم الجديدة وتداعياتها الجيوسياسية
في السادس من أغسطس، فرضت الإدارة الأميركية رسوماً بنسبة 50% على البن الأخضر القادم من البرازيل، وهي الدولة التي توفر وحدها 37% من الإنتاج العالمي. كما شملت الرسوم دولاً أخرى: 10% على كولومبيا وإثيوبيا، 25% على الهند، و40% على ميانمار، بينما أعفيت المكسيك بموجب اتفاقية USMCA.
هذه الخطوة وضعت المحامص الأميركية أمام تحدٍ صعب: امتصاص التكاليف وتقليل الأرباح أو تمرير الزيادة إلى المستهلكين. وقد حذّر خبراء القطاع من أن الرسوم ستفقد البرازيل ميزتها السعرية، مما سيدفع الكثير من المحامص إلى البحث عن بدائل محدودة في سوق عالمي يعاني أصلاً من نقص.
دوليًا، استغلت الصين الفرصة لتوسيع نفوذها، حيث سمحت لـ 183 شركة برازيلية بتصدير القهوة إليها ضمن اتفاقية مدتها خمس سنوات. أما الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد على البرازيل لتأمين ثلث وارداته، فقد عزز مواقفه التعاقدية مع المصدّرين، ما يضعف قدرة الولايات المتحدة على المنافسة.
المحامص والمستهلكون في قلب العاصفة
الرسوم لم تضرب الشركات الكبرى فقط مثل ستاربكس وكيريج، بل امتدت إلى آلاف المحامص الصغيرة والمتوسطة. بعض المحامص المستقلة مثل Elevated Roast في ولاية واشنطن ذكرت أن تكاليفها الإضافية بلغت نحو 21% من سعر الاستيراد، ومع ذلك تحاول امتصاص نصف هذه الزيادة حفاظاً على ولاء عملائها.
لكن ليس الجميع قادرًا على الصمود؛ فالمحامص التي تعمل بهوامش ضيقة أو تعاني من ديون سابقة قد تضطر إلى إغلاق أبوابها إذا استمرت الأسعار بالصعود بالتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة وصعوبة الحصول على تمويل مصرفي.
أما المستهلك الأميركي، الذي يشرب القهوة يومياً بنسبة 66% من البالغين، فهو أمام تحدٍ مباشر. القهوة بالنسبة له ليست مجرد مشروب، بل عادة راسخة مرتبطة بالروتين اليومي. ومع ذلك، ظهرت مؤشرات على تغيّر السلوك: التخزين المنزلي خوفًا من ارتفاعات جديدة، الانتقال إلى علامات تجارية أقل سعراً، أو تقليص عدد الزيارات إلى المقاهي.
استطلاعات الرأي الأخيرة تؤكد هذا التحول؛ إذ أظهرت أن 71% من المستهلكين يعتمدون على تحضير القهوة في المنزل على الأقل مرة يومياً، بينما يكتفي 16% فقط بالشراء من المقاهي، في حين يجمع الباقون بين الخيارين.
مستقبل غامض وتحديات أكبر
في ظل هذا الوضع، يطالب نواب في الكتلة النيابية للقهوة في الكونغرس باستثناء البن من الرسوم، مشيرين إلى أن كل دولار يُنفق على الاستيراد يضيف نحو 43 دولارًا إلى الاقتصاد المحلي عبر شبكة المقاهي والموزعين والمطاحن. لكن هذه الدعوات لم تلقَ استجابة حتى الآن، رغم أن معارك قانونية انطلقت بالفعل ضد القرار، حيث أيدت محكمة فيدرالية استئنافًا يطعن بشرعية الرسوم، مع تعليق التنفيذ حتى منتصف أكتوبر.
في المقابل، تراهن الشركات الكبرى مثل Keurig Dr Pepper وJDE Peet’s على اندماج مرتقب قد يساعد في خلق وفورات حجمية تخفف بعض الأعباء على المدى المتوسط. إلا أن المحللين يؤكدون أن هذا الحل لن يعالج الأزمة الفورية، وأن المخاطر الأكبر تكمن في فقدان صغار اللاعبين، ما سيؤدي إلى تركز أكبر في السوق وانخفاض التنوع.
كما يبرز عامل التغير المناخي كتهديد موازٍ، إذ أدى الجفاف المتكرر في البرازيل وأمريكا الوسطى إلى تقليص الإنتاج، ما يجعل أي رسوم إضافية بمثابة مضاعفة للأزمة.
الرسوم الأميركية على واردات القهوة وضعت أكبر سوق استهلاكية في العالم أمام اختبار حقيقي. ومع استمرار التضخم العالمي، وتنامي المنافسة من الصين والاتحاد الأوروبي، وضغط المستهلك المحلي، تبقى صناعة القهوة الأميركية في قلب عاصفة اقتصادية وجيوسياسية قد تعيد رسم خريطتها بالكامل خلال السنوات المقبلة.