بقلم: يانغ فِييوِي
عاشق للقهوة يعود إلى جذوره الريفية ليستخدم شغفه في تحقيق الازدهار وإنقاذ نظام بيئي في جبال قاوليقونغ جنوب غرب الصين.
في عام 2017، حلّق وانغ دايونغ بطائرة بدون طيار فوق قرية شيتيتشاي الواقعة على المنحدرات الشرقية لسلسلة جبال قاوليقونغ في مدينة باوشان بمقاطعة يوننان. ما رآه كان صادماً: مساحات قاحلة من الأرض المتدهورة بسبب سنوات من الاستغلال الجائر.
ويقول وانغ، وهو في الخمسين من عمره:
“كانت هناك أراضٍ عارية أُنهكت وأُسيء استخدامها.”
لكن هذه الأرض ذاتها شهدت تحولًا مذهلًا خلال سنوات قليلة. فاليوم، تنمو أشجار القهوة الخضراء بعناية على تلك المنحدرات، بين الأشجار المحلية الطويلة التي توفر الظل اللازم وتهيّئ بيئة مثالية لزراعة حبوب الأرابيكا عالية الجودة.
جاءت فكرة التجديد هذه عندما اكتشف وانغ التاريخ المنسي للقهوة في المنطقة. فبعد أن ترك عمله كمصور تلفزيوني عام 2013، أسس ستوديو وثائقيًا في شينزين، أنتج فيه أفلامًا عن التحولات الحضرية وتلاشي التقاليد.
وخلال رحلة عمل إلى يوننان، التقى وانغ بأهالي شيتيتشاي واكتشف أن المنطقة كانت مركزًا مزدهرًا لإنتاج القهوة منذ عشرينيات القرن الماضي.
ويقول: “أنا أحب القهوة، وشعرت بالفضول للتعمق في القصة.”
فقد دخلت القهوة إلى يوننان في أوائل القرن العشرين، ومع مرور العقود، أصبحت محصولًا رئيسيًا. وفي عام 1993، فازت حبوب قهوة من جبال قاوليقونغ بميدالية اليوريكا الذهبية في معرض دولي في بروكسل، بلجيكا. واليوم، تنتج يوننان حوالي 99٪ من إجمالي القهوة في الصين.
لكن ضغط السوق دفع المزارعين إلى ممارسات غير مستدامة: زرعوا الأشجار بكثافة تصل إلى أكثر من 330 شجرة في العُشر من الهكتار، بعد أن كانت 60 فقط. وأصبح الحصاد يتم دفعة واحدة دون اعتبار لنضج الحبوب. وعندما انهارت الأسعار، قطع المزارعون أشجار الأرابيكا واستبدلوها بالخضروات.
بالنسبة لوانغ، الذي وُلد في قرية ريفية بمقاطعة خنان، كانت الأرض تعني الكثير. ومع تزايد استهلاك القهوة في الصين بعد 2018، رأى فرصة حقيقية للتغيير.
جذب فيلمه الوثائقي عن قهوة يوننان اهتمام السلطات المحلية، التي وافقت على دعمه لإعادة إحياء القرية عبر الزراعة المستدامة للقهوة. انتقل مع عائلته وفريقه إلى شيتيتشاي، حيث عاشوا أولاً في خيام، ووضعوا ثلاثة أهداف رئيسية:
إحياء الأرض، تحسين جودة القهوة، وإعادة الحياة إلى الريف.
كانت البداية بيئية: زُرعت الأشجار المحلية لتوفير الظل وإعادة التوازن الطبيعي. ولم تُستخدم أي مبيدات أو أسمدة كيميائية. واستبدلت أنواع الهجينة القديمة مثل كاتيمور بحبوب الأرابيكا، التي تناسب البيئة الجبلية ودرجات الحرارة المنخفضة.
يقول وانغ: “حبوب الأرابيكا تحتاج إلى ارتفاع مناسب، وظل طبيعي، ونظام بيئي صحي.”
تعلم المزارعون انتقاء الكرز الناضج يدويًا فقط، ما أدى إلى زيادة قيمة الغلة لكل “مو” من 3000 يوان إلى نحو 5000 يوان.
كما أطلق وانغ مهرجانًا سنويًا للحصاد، حيث يتذوق المزارعون قهوتهم بأنفسهم، ويتعلمون الفرق بين القهوة الجيدة والسيئة.
ويقول: “بهذه الطريقة فقط يدركون قيمة الجودة ويتوقفون عن اختيار الأنواع المقاومة للأمراض على حساب المذاق.”
وفي عام 2024، حصدت المزرعة أول إنتاج كامل من حبوب الأرابيكا عالية الجودة، وتم تحميصها وبيعها مباشرة لعشاق القهوة. أصبحت القهوة مصدر دخل رئيسي للسكان، وبدأت القرية تجذب السائحين ومحترفي صناعة القهوة.
تقول الأستاذة وو هوا من جامعة شنغهاي، والتي زارت شيتيتشاي مرارًا:
“لقد أُعيد إحياء قرية مهجورة، وعاد المزارعون الذين تركوها إلى أراضيهم، وصناعة القهوة تتعافى.”
واليوم، يعيش وانغ وفريقه في شيتيتشاي ولا يغادرون الجبل إلا نادرًا.
“نحتاج إلى 40 دقيقة بالسيارة للنزول، لا نغادر إلا عند إرسال الشحنات أو استقبال الزوار.”
الزوار الذين يصعدون إلى ارتفاع 1800 متر يمكنهم تذوق القهوة وسط هواء نقي ومناظر خلابة.
يدير الفريق كامل دورة الإنتاج: من الزراعة إلى التحميص والاستخلاص. كما افتتح وانغ مقهيين في شينزين (عام 2021 و2024)، لا يقدمان مشروبات بالحليب ولا طلبات خارجية — بهدف دعوة الناس لتذوق القهوة كما ينبغي.
يقول: “المقهى ليس فقط مكانًا لبيع القهوة، بل مساحة للحوار والتواصل.”
أما عن قراره بالعودة إلى الريف، فيعلق:
“لم أعتبرها رجوعًا للوراء. بل كانت خطوة للأمام. الريف ليس نقيضًا للمدينة، بل مكانٌ يمكن فيه أن تنمو أحلامك وتتحقق قدراتك.”