فنانو المقاهي… عندما يلتقي الفن برائحة القهوة
مع ازدياد الطلب العالمي على القهوة عالية الجودة، بدأت ظاهرة ثقافية موازية في الظهور بهدوء وقوة: إدخال الأعمال الفنية الحديثة إلى المقاهي الراقية. فباتت هذه المساحات، التي كانت تُخصص فقط لتناول القهوة، تتحول شيئًا فشيئًا إلى معارض فنية تنبض بالحياة والألوان.
مدفوعًا بالفضول حول هذا الاندماج اللافت بين الفن والقهوة، زرت معرض “وورلد آرت دبي 2025″، حيث التقيت بعدد من الفنانين الذين فسّروا لي لماذا بدأت المقاهي تتحول إلى منصات عرض فني. وكانت الخلاصة واضحة: كلما زادت جودة القهوة، زاد التوجه لتقديمها في بيئة تعكس الذوق الفني والوعي الجمالي.
بمعنى آخر، عندما يتعاظم تقديرنا لمذاق القهوة ورائحتها، يصبح من الطبيعي أن نبحث عن أجواء بصرية وروحية تعزز تلك التجربة. وحين يجتمع الفن بالقهوة، يكتمل الإحساس… فالمذاق يعمّق الشعور، والفن يثري المكان.
فن البوب والقهوة… نمط حياة
من أبرز الفنانين الذين تحدثت إليهم كان الفنان المعروف باسم “تشوتشيركو”، أو كما يُلقّب نفسه “بوب آرت كوين”. سألته عن سر العلاقة القوية بين الفن والقهوة في دبي، المدينة التي تُعرف اليوم بنهضتها الفنية وازدهار مقاهيها المتخصصة.
“في الواقع، صممت إحدى لوحاتي خصيصًا لأحد المقاهي في دبي. كانت تصور المغنية الأمريكية ليدي غاغا وهي تحتسي القهوة من كوب ضخم. أردت أن أعبّر عن هذا الهوس العالمي بالقهوة، الذي أصبح جزءًا من نمط الحياة اليومي. نحن نتحدث عن حالة اسمها اضطراب الهوس بالقهوة. إنها أكثر من عادة… إنها أسلوب حياة. وهناك أيضًا بُعد وجودي في تمكين المرأة من خلال الثقافة والفن.”
مثلثات يانا ودوائر القهوة
الفنانة الأوكرانية يانا روسناك قدّمت أيضًا رؤية فنية مميزة، حيث تستخدم في أعمالها الهندسة الروحية لتجسيد مفاهيم النمو والتنوير.
“المثلثات في أعمالي تمثل التحوّل والتجلي والرؤية العُليا. أما القهوة، فأراها في شكل دوائر… مكتملة، خالدة. في السياق الروحي، تمثل هذه الأشكال مسارًا نحو الارتباط بالوجود المطلق. والمقاهي، بدورها، تجمعنا وتقرّبنا من بعضنا البعض. فني يستلهم من التوازن بين التناقضات… تمامًا كما تفعل خلطات القهوة الجيدة.”
التناقض في الأبيض والأسود
الفنانة الإسبانية كارلا جيا من برشلونة، والتي تعتمد على التباين الحاد في أعمالها، ترى في الأبيض والأسود انعكاسًا للثنائية الإنسانية. مثل فنجان القهوة بالحليب أو أمريكانو داكن.
“الأسود يرمز للقوة والصلابة والقدرة على النهوض بعد الصعاب. أما الأبيض، فيمثل الصفاء والصدق والجوهر الحقيقي للذات. وعندما يجتمع اللونان، تنشأ دعوة للتأمل والحوار الداخلي. القهوة بدورها تفعل الشيء ذاته: تدعونا للتوقف، للتفكير، للتوازن بين العقل والروح.”
من ميلانو إلى دبي… القهوة بعدسة فوتوغرافية
أخيرًا، التقيت بالمصورة الشابة تيجي ميزانزانّيكا من مدينة ميلانو الإيطالية، والتي تمزج في أعمالها بين البُعد الفني والصناعي، متأثرة بخلفيتها في عالم الموضة.
“قمت بتصوير حملات لعلامات مثل برادا وغوتشي، وكنت دائمًا ألاحظ كيف تُستخدم المقاهي وأكواب القهوة في الصور كرموز عالمية. في دبي، كل مقهى يبدو وكأنه مُعد خصيصًا لالتقاط الصور، التصميمات مثالية، والضوء محسوب بدقة. القهوة أصبحت لغة بصرية يتحدث بها العالم.”
من ميلانو إلى كييف، ومن برشلونة إلى دبي، نشهد اليوم ولادة حركة ثقافية جديدة… قهوة ليست فقط مشروبًا، وفن ليس فقط للعرض. بل كلاهما معًا يشكّلان تجربة مكتملة، حسّية وروحية في آن.
وفي دبي، حيث تنبض الحياة بالإبداع، تتقدم المقاهي بثبات نحو أن تصبح أعمالًا فنية قائمة بذاتها. لا يسعنا سوى الاستمتاع بهذا التمازج الفريد بين عنصرين يمنحاننا طاقة وحيوية لا توصف.
بقلم: سركان أورال