الصين تعيد رسم خريطة الطلب على قهوة “كأس التميز”

الصين تعيد رسم خريطة الطلب على قهوة “كأس التميز”

نشر موقع “كوفي انتليجنس” مقالًا بعنوان “ازدهار سوق القهوة في الصين مستمر، لكن الطلب على قهوة ‘كأس التميز’ يتغير” للكاتبة سارة تشارلز، وهي محررة رقمية في “كوفي انتليجنس”، والمؤلفة الرئيسية المشاركة في الطبعة الرابعة من دليل القهوة التابع لمركز التجارة الدولية، كما تقود الاتصالات لبرنامج الأعمال الزراعية المستدامة.

تؤكد سارة في مقالها المطوّل أن التوسّع السريع لشركتي “لاكين” و”كووتي” يعزز سوق القهوة الجماهيرية، فيما تبقى الدفعات فائقة الجودة مخصصة لفئة محدودة من المستهلكين. كما تشير إلى أن اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان أصبحت تستحوذ بشكل متزايد على قهوة “كأس التميز”، في ظل تحوّل السوق الصينية نحو مشروبات هجينة وعصرية.

ونظرًا لأهمية ما جاء في المقال، نعيد في “قهوة ورلد” نشره كما هو، دون أن يعني ذلك تبنّي أو الاتفاق جزئيًا أو كليًا مع ما ورد فيه من آراء واستنتاجات.

لطالما اعتُبرت الصين سوقًا صاعدة في عالم القهوة المختصة، حيث ارتفع استهلاكها السنوي بنسبة 15%، متجاوزًا المعدل العالمي البالغ 2.2%. وقد سارعت كبرى سلاسل القهوة العالمية مثل “ستاربكس” و”تيم هورتنز” إلى التوسع داخل البلاد، في حين تبنّت العلامات المحلية، وعلى رأسها “لاكين كوفي”، استراتيجيات نمو جريئة جعلت القهوة في متناول شريحة أوسع من المستهلكين.

وسط هذا النمو المتسارع، برزت الصين كواحدة من أكبر المشترين العالميين لقهوة “كأس التميز”، التي تُعتبر رمزًا للقهوة الفاخرة عالية الجودة. غير أن المشهد بدأ يتغير، إذ يبدو أن الطلب على هذه القهوة لم يعد بنفس الزخم الذي كان عليه سابقًا. فقد بدأت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان تستحوذ على نصيب أكبر من مزادات “كأس التميز”، ما يعكس تحولات أعمق في تفضيلات المستهلكين واتجاهات السوق.

تشير التحليلات إلى أن تراجع الطلب على قهوة “كأس التميز” في الصين لا يعني بالضرورة اختفاء الاهتمام بالقهوة المختصة، بل يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في الأولويات. يقول ماو بيريز، مدير المشتريات في “شنغهاي كووواي تريدينغ”: “ما نشهده ليس انسحابًا من السوق، بل تحوّلًا نحو الأصول التي تتمتع بجاذبية أكبر لدى المستهلك الصيني، مثل بنما وإثيوبيا وكولومبيا. لا يزال المشترون الصينيون يتنافسون على الدفعات الأعلى سعرًا، كما رأينا في مزاد ‘أفضل ما في بنما’ لعام 2024.”

إلى جانب ذلك، لعبت القيود التجارية دورًا في هذا التغير، حيث لم تتمكن غواتيمالا لفترة من تصدير قهوتها إلى الصين، في حين استعادَت هندوراس هذا الحق مؤخرًا فقط. هذه التحديات حدّت من قدرة بعض الدول على المنافسة في سوق “كأس التميز”، ما دفع المشترين الصينيين إلى التركيز على القهوة التي تتمتع بسمعة قوية لدى المستهلك المحلي.

مع نضج سوق القهوة المختصة في الصين ووصولها إلى حد التشبع، بدأ التركيز يتحوّل نحو الابتكار والتنوّع بدلاً من التفرد. أطلقت “لاكين كوفي” مشروبات هجينة مستوحاة من ثقافة الشاي الصينية، مثل قهوة الحليب بنكهة الياسمين، فيما تتنامى شعبية سلاسل مثل “هي تي” و”شاجي”، التي تقدّم مشروبات تجمع بين الشاي والقهوة بنكهات جديدة ومبتكرة.

يقول ستيف وو، مدير التسويق في “ميليتا بروفيشنال” في الصين: “سوق القهوة يشبه سوق النبيذ، حيث تتوفر خيارات تناسب مختلف الفئات بأسعار متفاوتة. ومع زيادة وعي المستهلكين، سيظل هناك مكان للقهوة الفاخرة، ولكن ضمن فئة محددة من المستهلكين.”

في المقابل، يتجه العديد من المستهلكين نحو بدائل أكثر سهولة وأقل تكلفة، مثل المشروبات الجاهزة التي توفرها المتاجر بأسعار زهيدة مقارنةً بالقهوة المختصة المحضّرة في المقاهي الفاخرة.

إلى جانب تحولات الذوق العام، أدت العوامل الاقتصادية إلى التأثير على سوق القهوة الفاخرة في الصين. فبعد سنوات من النمو الاقتصادي السريع، تواجه البلاد تحديات متزايدة مثل تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، والتوترات التجارية مع الشركاء الدوليين.

تأثرت كبرى العلامات التجارية بهذه الضغوط، حيث شهدت “ستاربكس الصين” انخفاضًا بنسبة 14% في مبيعات المتاجر المماثلة خلال الربع الأخير بسبب ارتفاع المنافسة وانخفاض إنفاق المستهلكين.

في ظل هذا المناخ الاقتصادي، أصبح المستهلكون الصينيون أكثر حساسية تجاه الأسعار، ما دفعهم إلى تفضيل خيارات القهوة متوسطة التكلفة بدلاً من الاستثمار في القهوة الفاخرة التي تعتمد على المزادات، مثل “كأس التميز”.

على الرغم من انخفاض الطلب على قهوة “كأس التميز”، لا يعني ذلك أن القهوة المختصة تفقد مكانتها في الصين، بل إنها تشهد تحوّلًا في مفهوم “الفخامة”. فبدلاً من التركيز على القهوة الأحادية المصدر ذات الأسعار المرتفعة، تتجه الصناعة نحو تقديم تجارب مميزة تستند إلى الراحة، التخصيص، والمزج بين القهوة والمكونات الأخرى.

يقول ماو بيريز: “القهوة المختصة في الصين تتطور باستمرار، والمشترون يبحثون عن أصناف جديدة ومزارع مبتكرة، خاصة من الدول التي تمتلك سمعة قوية في السوق الصينية.”

ورغم هذا التراجع النسبي، تبقى أسواق مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان على استعداد لدفع أسعار مرتفعة مقابل القهوة الفاخرة الفائزة بالمزادات. وهذا يعني أن المحامص الصينية المتخصصة قد تلجأ إلى توجيه منتجاتها نحو الأسواق التصديرية بدلاً من الاعتماد حصريًا على الطلب المحلي.

مستقبل القهوة المختصة في الصين

من الواضح أن سوق القهوة المختصة في الصين يشهد تحولًا جوهريًا، حيث لم تعد قهوة “كأس التميز” تمثل الاتجاه السائد كما كانت في السابق. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني تراجع القهوة المختصة، بل إعادة تعريفها وفقًا لاحتياجات المستهلكين الجديدة.

يقول ستيف وو: “العثور على توازن بين الجودة والسعر هو التحدي الأكبر في المرحلة القادمة. المستهلكون أصبحوا أكثر وعيًا، ولكن مع تنامي المنافسة وظهور خيارات ميسورة التكلفة، أصبحت الفجوة بين القهوة اليومية والقهوة الفاخرة أكثر وضوحًا، مما يجعل الفئات الراقية أقل جاذبية بالنسبة للمستهلك العادي.”

بدلاً من الاعتماد على القهوة السوداء المقطّرة، قد يكون مستقبل القهوة الفاخرة في الصين مرتبطًا بالمشروبات المستوحاة من الشاي، القهوة المعبأة، أو المشروبات الممزوجة بنكهات جديدة.

في الوقت الحالي، يبقى الواقع واضحًا: سوق القهوة في الصين يتغير، ولم تعد قهوة “كأس التميز” جزءًا من المشهد السائد.

Spread the love
نشر في :