من طفل متسرب إلى مؤسس “شين كوفي”.. القهوة التي وُلدت من رحم المعاناة

من طفل متسرب إلى مؤسس “شين كوفي”.. القهوة التي وُلدت من رحم المعاناة

بينما أتابع روتيني اليومي في البحث عن أخبار وقصص ملهمة من عالم القهوة وروّاده، لفتت نظري قصة مؤثرة نشرتها منصة “فيتنام” متعددة اللغات، التي تُعنى بالترويج لصورة فيتنام في مختلف المجالات. إنها قصة مؤسس سلسلة المقاهي الشهيرة “شين كوفي”، نغوين هوو لونغ، التي تجسّد بصدق معاني الكفاح والإصرار وتحقيق الحلم.

لم يكن لونغ يدرك، حين اضطر إلى ترك مقاعد الدراسة في سن 11 عامًا، أن طريقه نحو القهوة سيقوده إلى تأسيس واحدة من أبرز العلامات التجارية الفيتنامية على الساحة العالمية. فقد وُلد في قرية فقيرة بإقليم ها تينه، وانتقل عام 1993 مع أسرته إلى منطقة جيا لاي، حيث عمل في مزارع القهوة لكسب لقمة العيش. هناك، أمضى أيامه في الحقول يحفر الأرض ويجمع الثمار، بينما كان يحتضن في داخله حلمًا كبيرًا بأن يصبح يومًا ما ثريًا بفضل القهوة.

في عام 1999، توجه إلى مدينة هو شي منه، حيث عمل في مقهى ثم في مطعم. وهناك تغيّرت مجريات حياته حين تعرّف على رجل ياباني كان يتردد على المطعم بانتظام. رأى الرجل في لونغ ملامح قريبة من ملامح ابنه الراحل، فتقرّب منه، وتبناه، وقدّم له الدعم المادي والمعنوي، وعلّمه اللغة اليابانية. أكمل لونغ دراسته الثانوية، وأصبح مترجمًا، وبدأ في جمع مبلغ بسيط يعينه على العودة إلى حلمه الأول: دخول عالم تجارة القهوة.

خاض تجربته الأولى في بيع القهوة المحمّصة بالشراكة مع أحد أصدقائه، لكنها لم تدم طويلًا وانتهت بالفشل. حينها، أدرك أن النجاح لا يُبنى بالحماسة وحدها، بل يحتاج إلى معرفة وأدوات. فقرّر متابعة دراسته الجامعية، فالتحق بكلية إدارة الأعمال في جامعة الاقتصاد بمدينة هو شي منه. وبعد التخرج، أطلق مشروعًا مشتركًا آخر لافتتاح مقهى، لكن اختلاف الرؤى بين الشريكين أدى إلى فشل جديد، خسر على إثره كل شيء، بما في ذلك منزله. لم يكن أمامه خيار سوى السفر إلى اليابان، ليبدأ من هناك من جديد.

من مصانع اليابان إلى أسرار القهوة العضوية

في اليابان، حصل على وظيفة مستقرة براتب جيد، لكنه لم يتخلَّ عن حلمه القديم. التحق بدورات تدريبية في الزراعة العضوية، وبدأ يدرس عن كثب سوق القهوة الياباني. ولاحظ أن القهوة الفيتنامية، على الرغم من أن بلاده من أكبر المصدّرين عالميًا، تكاد تكون غائبة عن أرفف المتاجر في اليابان. هذا التناقض دفعه إلى المثابرة والتطوير، حتى عُرض عليه العمل في شركة يابانية متخصصة في تصدير واستيراد القهوة، وتولّى فيها منصبًا إداريًا.

وفي عام 2015، عاد إلى فيتنام ليبدأ المحاولة الثالثة، وهذه المرة بثقة وتجربة ومعرفة عميقة. أسّس علامة “شين كوفي”، وشرع في بناء منطقة زراعية خاصة به في قرية “تشانغ”، حيث بدأ بزراعة 50 هكتارًا، توسعت لاحقًا إلى 100 هكتار. اعتمد في الزراعة على أساليب عضوية بالكامل، ورفض استخدام أي أسمدة أو مبيدات كيميائية، مستبدلًا إياها بمكونات طبيعية مثل روث الأبقار، وقشور القهوة، ودهن الأسماك. ورغم التحديات التي واجهها مع الفلاحين المعتادين على الطرق التقليدية، إلا أن النتائج أثبتت فاعلية النهج الجديد: إذ ارتفعت إنتاجية الهكتار من 3 إلى 4 أطنان لتصل إلى 6 أطنان، كما اشترت التعاونية المحصول من المزارعين بأسعار أعلى من السوق بنسبة تتراوح بين 15% و20%.

قهوة فيتنامية بجودة عالمية

بفضل هذا النموذج الزراعي الناجح، حصلت مزارع “شين كوفي” على شهادات الزراعة العضوية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبدأت منتجاتها تُعرض في متاجر مدينة هو شي منه، بأسعار تتراوح بين 80,000 و150,000 دونغ للكوب الواحد. تقدم العلامة أكثر من 20 نوعًا من القهوة، وتُصدَّر إلى اليابان، والولايات المتحدة، ومعظم الدول الأوروبية. وفي عام 2020، اختارت مجموعة “بان” الاقتصادية الكبرى علامة “شين كوفي” لتكون الهدية الرسمية التي تُقدَّم إلى رؤساء الدول المشاركين في قمة آسيان.

ورغم ما حققه من نجاحات لافتة، يرفض نغوين هوو لونغ تولّي أي منصب تنفيذي في التعاونية التي أسسها، مفضّلًا الاكتفاء بدور المستشار. وعن ذلك يقول: “أردت أن أفتح الطريق أمام الشباب. لدينا فرص عظيمة وتحديات كبيرة، ويجب أن يتولى قيادتها جيل جديد بطاقته وحماسه. أما أنا، فدوري أن أضيء الشعلة، لا أن أحتكرها”.

Spread the love
نشر في :