![مزرعة جبل بُن.. القهوة فوق السحاب](https://qahwaworld.com/wp-content/uploads/2025/02/HARAZ-COFFEE-FARM.jpg)
مزرعة جبل بُن.. القهوة فوق السحاب
في أعالي جبال حراز، حيث الهواء نقي والسحب تلامس القمم، وُلدت مزرعة جبل بُن، وهو مشروعٌ طموح أسَّسه ثلاثة رجال من عائلة الجبل: زكريا، مصطفى، وقصي الجبل عام 2020، متحدين كل الدراسات التي تشير إلى أن شجرة البن لا تستطيع العيش والإثمار على ارتفاع يفوق 2500 متر عن سطح البحر. اليوم، بعد سنوات من الجهد، تقف المزرعة شاهدًا على إرادة الإنسان في إعادة إحياء القهوة اليمنية من جديد.
بداية من الصفر
عند انطلاق المشروع، كانت الأرض بحاجة إلى استصلاح شامل استمر لمدة عام كامل، حيث جرت عمليات حراثة التربة، وتجهيز المصاطب الزراعية، وتحسين جودة التربة لضمان بيئة مثالية لنمو أشجار البن. كانت المنطقة قد تعرضت للإهمال لعقود، بعد هجرة أهل القرى المجاورة إلى العاصمة صنعاء ودول الخليج، مما أدى إلى اندثار الأراضي الزراعية وتحولها إلى مساحات برية تأوي الحيوانات. كان استصلاح الأرض تحديًا ضخمًا، إذ فاقت التكاليف كل التوقعات.
في عام 2021، غُرست أول 4000 شجرة بن، واستمرت عمليات التوسع حتى وصلت إلى 8000 شجرة بحلول عام 2023. ومع ذلك، لم يكن التحدي الأكبر فقط في استصلاح الأرض، بل أيضًا في اختبار إمكانية زراعة البن على هذا الارتفاع الشاهق، إذ كان البعض يعتقد أن الظروف المناخية القاسية قد تجعل المشروع مستحيلًا.
التحدي الأكبر
لطالما اعتُبرت زراعة البن على ارتفاعات شاهقة تحديًا كبيرًا. ويُقال إن بعض المناطق في إثيوبيا وكولومبيا وبيرو تزرع البن على ارتفاع يصل إلى 3000 متر، لكن الأدلة العلمية الداعمة لهذه الادعاءات غير مؤكدة. أما في جبل بُن، فالأدلة واضحة؛ إذ تُظهر بيانات الأقمار الصناعية وصور Google Earth، بالإضافة إلى مستشعرات الهواتف الذكية، أن المزرعة تقع فعليًا على ارتفاع يتراوح بين 2540 و2600 متر، مما يجعلها واحدة من أعلى مزارع البن في العالم.
لم يكن هذا مجرد تخمين، فقد لاحظ هؤلاء الشباب وجود مزرعة بن قديمة في القرى المجاورة على ارتفاع 2560 مترًا، لكن إنتاجها كان ضعيفًا بسبب تأثير البرد والحيوانات التي تعبر المنطقة. تم أخذ عينات منها وتجريب زراعتها، وبعد عمليات الفحص والتنقية والتقييم، تبيَّن أن القهوة المنتجة على هذا الارتفاع تمتاز بتنوع نكهاتها وقوامها المميز مقارنةً بأي بن آخر في المنطقة، مما أعطى المشروع أملًا كبيرًا في النجاح.
القهوة اليمنية.. تراث يتجدد
تُزرع القهوة اليمنية منذ أكثر من 500 عام بأساليب طبيعية تمامًا، حيث تُجفف الكرزات الحمراء الناضجة تحت أشعة الشمس لمدة تصل إلى شهر قبل أن تُزال قشرتها الخارجية لاستخراج الحبوب الخضراء. وفي جبل بُن، تُطبق هذه الأساليب التقليدية مع إضافة تحسينات لضمان أعلى جودة ممكنة، حيث يتم قطف الثمار يدويًا بعناية، ثم تُجفف على أسِرّة خاصة لضمان عملية تجفيف متجانسة تحافظ على نكهة القهوة وخصائصها الفريدة.
ولضمان نجاح زراعة البن في هذه البيئة غير المعتادة، تم اللجوء إلى حلول مبتكرة، منها دعم الأشجار بالعناصر الغذائية اللازمة لمقاومة موجات الصقيع والتضاريس القاسية والرطوبة العالية. كما تم استخدام كميات كبيرة من مخلفات الحيوانات لإنشاء سماد عضوي 100% عبر عملية تخمير طبيعية، مما ساعد الأشجار على التأقلم والإثمار بجودة عالية.
موسم الحصاد
مع بداية موسم الحصاد، تبدأ ثمار القهوة في تغيير لونها من الأخضر إلى الأصفر ثم الأحمر الداكن، وهي المرحلة التي تبلغ فيها حلاوتها الطبيعية ذروتها. في هذه المرحلة، يتم اختيار الثمار الأكثر نضجًا بعناية، ثم تُنقل إلى مرافق التجفيف، حيث تُجفف طبيعيًا دون استخدام أي مواد كيميائية، مما يحافظ على النكهة الغنية لحبوب البن.
بدأت المزرعة إنتاج أول محصول بكميات محدودة، وتم إرسالها إلى بعض العملاء في الخارج لإجراء تجارب وتقييمات. حتى الآن، لا تزال المزرعة تنتظر آراء المحامص والخبراء حول جودة المنتج الجديد.
استدامة وريادة
لم تقتصر رؤية هؤلاء الشباب على زراعة البن فحسب، بل امتدت لتشمل دعم المزارعين في المنطقة، حيث أُطلقت مبادرة لجمع وشراء القهوة من المزارعين المحليين بأفضل الأسعار، مما يشجعهم على الاستمرار في زراعة البن بدلًا من اللجوء إلى زراعة القات، وهو التحول الذي بدأ يغير مشهد الزراعة في حراز. كما أنشأت المزرعة حاجزًا مائيًا يتسع لمليون لتر لضمان توفير مياه الري خلال المواسم الجافة، مما يساعد على تحقيق استدامة زراعة البن في المنطقة.
نحو العالمية
اليوم، وبعد سنوات من العمل الجاد، تُعد مزرعة جبل بُن واحدة من أكثر المشاريع الواعدة في عالم القهوة المختصة، حيث يتم تصدير القهوة المزروعة على هذا الارتفاع الفريد إلى الأسواق العالمية، مقدمةً تجربة استثنائية لعشاق القهوة حول العالم.
أهم ما يميز قهوة جبل بُن:
- ارتفاع المزرعة عن سطح البحر، مما يمنح القهوة خصائص نكهية فريدة.
- الممارسات الزراعية الطبيعية والحديثة لضمان جودة عالية.
- التسميد الطبيعي 100%، مما يجعل القهوة عضوية بالكامل.
مع اقتراب موسم الحصاد لعام 2025، تتجه الأنظار إلى هذه المزرعة التي تمثل نموذجًا حيًا لقدرة اليمنيين على إعادة إحياء تراثهم الزراعي وتقديمه للعالم بأعلى المعايير.