تصاعد في السنوات الأخيرة، الحديث عن الانتشار الواسع والشعبية المتزايدة لثقافة القهوة اليمنية في الولايات المتحدة، حيث لم تعد مجرد تقليد عابر، بل أصبحت ظاهرة لافتة توقفت عندها كبريات الصحف الأمريكية، مثل نيويورك تايمز وغيرها من وسائل الإعلام البارزة. فقد فرضت المقاهي اليمنية نفسها على المشهد، مقدمة تجربة قهوة فريدة تعكس إرثًا ثقافيًا عريقًا، وتمثل أكثر من مجرد أماكن لتناول القهوة، بل مساحات اجتماعية تزدهر بروادها من مختلف الخلفيات.
وقد كان موقع بون أبتِيت من بين أحدث المنصات التي تناولت هذه الظاهرة بتفصيل، عبر تقرير موسع سلّط الضوء على انتشار المقاهي اليمنية في الولايات المتحدة، والدور الذي تلعبه في إعادة تعريف ثقافة القهوة هناك. ومن هذا المنطلق، قررنا في عالم القهوة إعادة نشر التقرير، لنقدم لقرائنا رؤية متكاملة حول هذه الظاهرة التي تعكس عمق التراث اليمني وتزايد تأثيره في سوق القهوة الأمريكية.
المقاهي اليمنية: بصمة متزايدة في المشهد الأمريكي
في ليلة سبت مزدحمة بمدينة ممفيس، يجتمع عدد من الشباب في مقهى يمني صغير، يحتسون القهوة الممزوجة بالهيل والكريمة من أكواب زجاجية، بينما يمضون وقتهم في ألعاب الطاولة. على بعد مئات الأميال، يواصل العاملون في أحد المقاهي في تكساس ملء الأباريق بالشاي العدني العطِر وسط أجواء نابضة بالحياة. أما في ديربورن بولاية ميشيغان، فيزدحم مقهى آخر بالعائلات التي تبحث عن مقاعد لتناول خبز العسل اليمني مع مشروبات مصنوعة من قشور الكرز المجفف للقهوة.
لم تعد هذه المشاهد استثناءً، بل باتت جزءًا من واقع متنامٍ، حيث تبرز المقاهي اليمنية كأماكن تجمع جذابة للمغتربين والجاليات اليمنية والعربية والمسلمة، فضلًا عن جمهور متزايد من عشاق القهوة الذين يبحثون عن تجربة مختلفة تمتزج فيها النكهات بالتاريخ.
نمو متسارع لسوق المقاهي اليمنية
ساهمت عدة عوامل في انتشار المقاهي اليمنية في الولايات المتحدة، بدءًا من الرغبة في الحفاظ على التراث الثقافي، وصولًا إلى ازدياد الإقبال على القهوة اليمنية عالميًا. ويرى عمرو أبو زيد، مدير برنامج تسجيل التجار في جمعية التجار الأمريكيين اليمنيين، أن هذه العوامل مجتمعة دفعت بهذه الظاهرة إلى الواجهة، مما أدى إلى تنامي أعداد المقاهي اليمنية عبر العديد من الولايات الأمريكية.
تشير التقديرات إلى وجود ثلاثين علامة تجارية مملوكة ليمنيين، ما بين مقاهٍ مستقلة مثل الدار كافيه في تينيسي، وسلاسل وطنية مثل بيت القهوة التي توسعت بسرعة. ويتميز العديد من هؤلاء المستثمرين بروابط عائلية مباشرة مع المزارع في اليمن، مما يضمن تقديم حبوب قهوة يمنية أصيلة بمعايير جودة عالية.
لا يقتصر دور هذه المقاهي على تقديم القهوة فحسب، بل تمتد رسالتها إلى تقديم بديل اجتماعي عن الأماكن التقليدية التي تقدم المشروبات الكحولية، مما يجعلها وجهة مفضلة للشباب المسلمين، خاصة خلال شهر رمضان. كما تساهم في دعم المزارعين اليمنيين الذين ما زالوا يعملون في زراعة القهوة بطرق تقليدية، مما يعزز من دورها في ربط المهاجرين بوطنهم الأم.
يؤكد محمد القشعة، الذي افتتح الدار كافيه مع والده في عام ٢٠٢٤، أن “القهوة اليمنية ليست مجرد مشروب، بل هي جزء من هويتنا وتراثنا.”
ما الذي يميز المقاهي اليمنية عن غيرها؟
على الرغم من أن هذه المقاهي تشترك في بعض الجوانب مع نظيراتها الغربية، إلا أنها تختلف في جوانب عديدة، مثل أوقات العمل الممتدة حتى ساعات متأخرة، واعتماد طرق تحضير تقليدية للقهوة والمشروبات الساخنة، بالإضافة إلى تصميم المساحات بطريقة تبرز الهوية الثقافية اليمنية.
يقول فارس المطري، الشريك المؤسس لمقهى أروى في تكساس، “ما زالت السوق الأمريكية لمقاهي القهوة اليمنية في بداياتها، لكن الفرص للنمو والتوسع كبيرة جدًا.”
تتميز هذه المقاهي عمومًا بمساحات واسعة، مزينة بالتصاميم الشرقية التقليدية، مع جدران مزخرفة بألوان ترابية، وأرائك مريحة، وأوانٍ فخارية أو زجاجية لتقديم المشروبات. وتشمل قوائم المشروبات مزيجًا من النكهات التقليدية، مثل:
- الجباني: قهوة ممزوجة بقشور الكرز المجفف والهيل والزنجبيل والقرفة.
- المفور: قهوة مخلوطة بالهيل والكريمة.
- القشر: مشروب مصنوع من قشور الكرز المجفف، مع الزنجبيل والقرفة.
- الشاي العدني: شاي أسود ممزوج بالحليب والهيل وجوزة الطيب.
كما تعكس ديكورات هذه المقاهي الطابع اليمني الأصيل، كما هو الحال في أروى للقهوة اليمنية في تكساس، حيث تم استلهام تصميم الأقواس الذهبية من جامع الملكة أروى، أحد أقدم المساجد في اليمن.
استعادة دور اليمن في تاريخ القهوة
إحدى الدوافع الرئيسية وراء انتشار المقاهي اليمنية في الولايات المتحدة هي الرغبة في إعادة تقديم اليمن كمركز أصيل لزراعة القهوة. إبراهيم الحسباني، مؤسس بيت القهوة، الذي هاجر من اليمن إلى نيويورك في عام ٢٠١١، كان من بين أوائل من افتتحوا مقهًى يمنيًا في ديربورن بولاية ميشيغان عام ٢٠١٧.
“الكثير من الناس لا يعرفون حتى أين يقع اليمن، ناهيك عن دوره المحوري في تاريخ القهوة”، يقول الحسباني.
وعلى الرغم من أن إثيوبيا غالبًا ما تُذكر على أنها مهد القهوة، فإن المصادر التاريخية تشير إلى أن اليمن هو أول بلد قام بزراعة القهوة تجاريًا. فقد كان ميناء المخا اليمني، الذي اشتُق منه مصطلح “موكا”، مركزًا رئيسيًا لتجارة القهوة عالميًا.
واليوم، يدير الحسباني ستة وعشرين فرعًا من بيت القهوة، مع خطط للتوسع إلى مئة فرع بحلول عام ٢٠٢٧.
مستقبل مشرق للمقاهي اليمنية في أمريكا
يرى حمزة ناصر، مؤسس سلسلة حراز كوفي هاوس، التي تملك سبعة وعشرين فرعًا مع مئة وسبعة وستين فرعًا آخر قيد الإنشاء، أن المقاهي اليمنية ستصبح قريبًا عنصرًا أساسيًا في مشهد القهوة الأمريكي.
“عندما تدخل إلى ستاربكس، لا أحد يرحب بك. تأخذ قهوتك وتمضي في طريقك”، يقول ناصر. “أما في المقاهي اليمنية، فالأجواء مختلفة تمامًا، حيث الموسيقى العربية، والدفء، والمكان المريح.”
أبرز المقاهي اليمنية في الولايات المتحدة
🔹 الدار كافيه – ممفيس، تينيسي
🔹 باب اليمن كافيه – فريسنو، كاليفورنيا
🔹 أروى للقهوة اليمنية – ريتشاردسون، تكساس
مع استمرار انتشار المقاهي اليمنية، يبدو أنها لا تقدم فقط تجربة قهوة مميزة، بل تعيد تعريف ثقافة القهوة في الولايات المتحدة، جاعلةً من اليمن محورًا أساسيًا في هذا المشهد المتغير.