في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها قطاع القهوة العالمي، من تقلبات الأسعار وتغير المناخ إلى تدني دخل المزارعين واضطرابات سلسلة التوريد، جاءت اتفاقية القهوة الدولية 2022 لتُعيد رسم ملامح التعاون الدولي في هذه الصناعة الحيوية. وقد تم اعتماد هذه الاتفاقية من قبل المجلس الدولي للقهوة التابع لمنظمة القهوة الدولية، وهي تمثل تطورًا نوعيًا مقارنة بالإصدارات السابقة، وتُؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص من أجل تحقيق العدالة والاستدامة في سلسلة القيمة للقهوة.
ما هي اتفاقية القهوة الدولية 2022؟
اتفاقية القهوة الدولية 2022 هي اتفاقية متعددة الأطراف تم توقيعها بين الدول الأعضاء في منظمة القهوة الدولية، وتهدف إلى تعزيز التعاون الدولي في إنتاج وتجارة واستهلاك القهوة، وتحقيق التوازن في السوق العالمية، ودعم مزارعي البن، وحماية البيئة. وقد فُتح باب التوقيع عليها في أكتوبر 2022، وتمتد صلاحية التصديق عليها حتى يوليو 2023، وبدأت تدخل حيّز التنفيذ مع تصديق عدد كافٍ من الدول المصدّرة والمستوردة.
ما الذي تغير في هذه الاتفاقية؟
شهدت اتفاقية 2022 تغيرات جوهرية عن الاتفاقيات السابقة، كان أبرزها:
-
إشراك القطاع الخاص رسميًا
للمرة الأولى، تسمح الاتفاقية بمشاركة الشركات التجارية، والمحمصات، والمجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، كمراقبين ومشاركين في مجموعات العمل وصياغة التوصيات.
-
نموذج حوكمة أكثر شمولًا
لم تعد الاتفاقية تقتصر على تمثيل الحكومات فقط، بل أصبحت تتيح آليات متعددة لإشراك مختلف الجهات الفاعلة في سلسلة القيمة، مما يمنح الاتفاقية مرونة واستجابة أعلى للتحديات الحديثة.
-
تركيز على الاستدامة والمناخ
تُعطي الاتفاقية أولوية لقضايا مثل الزراعة المستدامة، التكيف مع تغير المناخ، الحماية البيئية، وتحسين ظروف الإنتاج في الدول النامية.
-
تعزيز القيمة المضافة في بلد المنشأ
تُشجع الدول المصدّرة على التحميص والمعالجة محليًا قبل التصدير، مما يعزز من دخل المزارعين والصناعات المحلية.
-
تطوير أنظمة البيانات والشفافية
تعمل الاتفاقية على تحسين جودة البيانات والإحصاءات المتعلقة بالإنتاج والأسعار والصادرات، وتسهيل استخدامها في رسم السياسات.
-
إعادة هيكلة نظام المساهمات المالية
لضمان استدامة المنظمة وتوسيع المشاركة، تم تعديل نظام المساهمات ليُراعي قدرات الدول النامية ويُشجع على الانضمام دون أعباء كبيرة.
من هم أعضاء الاتفاقية؟
وقّعت على الاتفاقية أكثر من 40 دولة مُصدّرة، من أبرزها: البرازيل، فيتنام، كولومبيا، إثيوبيا، هندوراس، إندونيسيا، واليمن. ومن الدول المستوردة: الاتحاد الأوروبي، اليابان، المملكة المتحدة، سويسرا، والنرويج.
هذا التمثيل الواسع يُظهر التزامًا عالميًا بتعزيز استقرار القطاع وتحقيق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين.
ماذا يعني أن تكون الدولة عضوًا في الاتفاقية؟
الانضمام إلى اتفاقية القهوة الدولية 2022 يُتيح للدول الأعضاء مجموعة من الامتيازات والفرص:
-
المشاركة في صنع السياسات الدولية: عبر المجلس الدولي للقهوة، يمكن للدولة التأثير على القرارات المتعلقة بالتجارة العالمية للقهوة والاستدامة والتنمية.
-
الوصول إلى بيانات وتحليلات السوق: تُوفر الاتفاقية منصة موثوقة لتبادل المعلومات الاقتصادية والتجارية، مما يعزز القدرة على التخطيط الاستراتيجي.
-
الدعم الفني والمالي: يُمكن للدول الاستفادة من المشاريع التنموية، وبرامج دعم المزارعين، وبناء القدرات التقنية والإدارية.
-
تعزيز مكانة المزارعين وتحسين الدخل: من خلال مبادرات تسعى لتحقيق سعر عادل، وتقليل الفجوة بين المنتجين والمستهلكين.
-
فرص التعاون الإقليمي والدولي: تسهل الاتفاقية إقامة شراكات جديدة، وتفتح المجال للتنسيق مع مؤسسات دولية أخرى في قضايا الزراعة والبيئة والتجارة.
في المقابل، تلتزم الدولة العضو بـ:
-
تقديم مساهمة مالية سنوية تُحدد حسب حجم الإنتاج أو الاستهلاك.
-
توفير بيانات دقيقة وشفافة حول الإنتاج والتجارة.
-
المشاركة المنتظمة في الاجتماعات واللجان المتخصصة وتطبيق توصياتها.
لماذا تُعد هذه الاتفاقية تحولًا استراتيجيًا؟
لأنها للمرة الأولى تُخرج منظمة القهوة الدولية من نموذجها التقليدي القائم على الحوار بين الحكومات فقط، نحو منصة أكثر شمولًا ومرونة، تُشرك مختلف الفاعلين في سلسلة القهوة العالمية. وهي بذلك تسعى لمعالجة الجذور العميقة للأزمات التي تواجه القطاع، كالفقر الزراعي، والتفاوت في توزيع الأرباح، والتهديدات البيئية.
كما أن تركيزها على العدالة المناخية، وتمكين الدول المنتجة، وجعل السياسات قائمة على البيانات، يجعلها أكثر توافقًا مع التحديات والفرص الراهنة في العالم.