Site icon عالم القهوة

ثورة في عالم القهوة المستنبتة مخبرياً

ثورة في عالم القهوة المستنبتة مخبرياً

Charan Yeretzian im Labor der ZHAW Liefe Sciences

 

تواجه القهوة التقليدية، المزروعة في المزارع، تحديات كبرى مع تصاعد الطلب العالمي الذي يتجاوز قدرة الإنتاج التقليدي على الوفاء بحاجات المستهلكين. ومع تزايد الطلب المتوقع حتى عام 2050 وما بعده، أصبحت الضغوط الواقعة على المزارع والبيئة شديدة الحدة، حتى أن الخبراء يحذّرون من أن إنتاج القهوة بالطرائق الحالية لن يستطيع مواكبة هذه الوتيرة المتسارعة.

تفاقمت هذه الأزمة بسبب تزايد قطع الغابات، وارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والتغيرات المناخية العميقة، ما جعل من الضروري البحث عن بدائل جديدة ومستدامة لإنتاج القهوة. في هذا السياق، برز علماء مثل البروفيسور شاهان ييرتزيان، من جامعة العلوم التطبيقية في زيورخ، لتطوير قهوة مستنبتة مخبرياً (خلوية المنشأ)، قد تغيّر مفهومنا التقليدي لهذا المشروب وتعزّز مسار استدامته في المستقبل.

ما هي القهوة المستنبتة مخبرياً؟

تُنتَج القهوة الخلوية عبر استخلاص خلايا البن من نسيج نبات القهوة، ثم تنمية هذه الخلايا في المختبر ضمن بيئة مضبوطة بعناية. يجري بعد ذلك معالجة الكتلة الخلوية، بما في ذلك عمليات التجفيف بالتجميد (الليوفيليزاسيون) والتحميص، لتطوير النكهات والروائح والقوام المعروفين للقهوة. على عكس بدائل “القهوة المقلّدة” التي تستخدم مكونات غير قهوية لمحاكاة النكهة، تحافظ القهوة المستنبتة مخبرياً على الأسس الجزيئية للقهوة الحقيقية.

يقول ييرتزيان: “إن إعادة إنتاج منتج ما تكمن في فهمه على نحو عميق. إذا فهمتَ القهوة حقاً، يمكنك حينها إعادة إنتاجها.” ويشير بذلك إلى أن جوهر التجربة ليس مجرد تقليد النكهة، بل استيعاب البنية الكيميائية المعقدة لحبوب البن، بما في ذلك سلَف الروائح والنكهات التي تتفاعل أثناء التحميص.

تقدّم ملحوظ وفوائد واعدة

رغم أن القهوة الخلوية لا تزال في مراحلها المبكرة، فقد حققت تقدماً ملحوظاً. أظهرت الاختبارات الحسية الأولية أنها أقرب ما تكون إلى مذاق القهوة التقليدية. ويأمل الباحثون أن تسهم هذه التقنية في تقليل الأعباء البيئية المرتبطة بالزراعة المكثفة للقهوة، والحد من قطع الغابات، وخفض الانبعاثات، فضلاً عن استقرار سلسلة التوريد التي تتأثر حالياً بالتغيرات المناخية والأسعار المتقلبة والظروف الجوية غير المتوقعة.

يتساءل ييرتزيان: “إذا كنا نحب القهوة إلى هذا الحد، فهل يمكننا توفير جزء منها بطريقة أقل ضرراً للبيئة وأكثر كفاءة؟” إن التحكم المخبري بعملية الإنتاج من شأنه ضمان إمدادات ثابتة ومستقرة من القهوة، بمعزل عن التقلبات الخارجية التي تؤثر سلباً على حبوب البن المزروعة في المزارع.

آفاق جديدة في عالم النكهات

المثير حقاً في هذه التجربة أن القهوة المستنبتة مخبرياً لا تقتصر على تكرار النكهات المعهودة، بل تتيح إمكانات ابتكارية واسعة. فمن خلال التحكّم الدقيق في المكوّنات الخلوية والتفاعلات الكيميائية، يمكن الوصول إلى ملفات نكهة ورائحة جديدة كلياً، وتخصيص المذاق وفق أذواق محددة أو ابتكار مزيج تجريبي يفوق في تعقيده نكهات القهوة التقليدية.

يقول ييرتزيان: “يمكننا استكشاف أبعاد حسية جديدة تماماً. الأمر لا يقتصر على الاستنساخ فحسب، بل يتعداه إلى الإبداع.” بهذه الطريقة يمكن للقهوة الخلوية أن تتحول إلى فئة بحد ذاتها، لا تسعى لمجرد محاكاة الماضي، بل لفتح أبواب مستقبل مليء بالابتكار والتنويع.

تحديات قانونية وتنظيمية

غير أن القهوة الخلوية تندرج تحت تصنيف “الأغذية المبتكرة”، ما يفرض إجراءات تنظيمية صارمة قبل طرحها في الأسواق. قد يتطلب الأمر عاماً أو عامين للحصول على الموافقات اللازمة، على عكس بدائل القهوة الأخرى التي وصلت للأسواق بسرعة لأنها لا تعتمد على خلايا القهوة الحقيقية.

ورغم هذه العقبات، يبدي ييرتزيان تفاؤلاً بأن الطلب المتزايد على خيارات قهوة مستدامة سيعزز قبول هذه التقنية لاحقاً، خاصة بعد استيفاء المتطلبات القانونية اللازمة.

رؤية مستقبلية: مزج التقليد بالابتكار

لا ينظر ييرتزيان إلى القهوة الخلوية بوصفها بديلاً كاملاً يحل محل القهوة التقليدية، بل مكمّلاً لها. فهو يتصور منتجات هجينة تمزج بين البنّ التقليدي والقهوة المستنبتة مخبرياً، لتقديم توليفات تحافظ على جودة المذاق والأصالة، مع الحد من الأثر البيئي.

يقول ييرتزيان: “قد يُسهم المزج في الحصول على فوائد مثل الحفاظ على البيئة أو تطوير نكهة مميزة ضمن مزيج، ما يضمن تلبية الطلب العالمي المتزايد.” وبذلك، يمكن للقهوة المستنبتة مخبرياً أن تدعم إنتاج القهوة التقليدية، لا أن تلغيه، فتُبقي على الطقوس العريقة للقهوة وتوسع آفاقها، وتضمن استمرارها لأجيال مقبلة.

إن السعي لفهم القهوة في جوهرها ليس مجرد تقدير للتقاليد، بل طريق نحو مستقبل أكثر استدامة. ومع ازدياد الطلب واتساع الآفاق، قد تكون العلوم الناشئة في عالم القهوة هي المفتاح لبقاء هذا المشروب المحبوب وازدهاره.

Spread the love
Exit mobile version