القهوة المخبوزة.. التفسير العلمي لنكهة باهتة

القهوة المخبوزة.. التفسير العلمي لنكهة باهتة

هل شعرت يومًا بأن فنجان القهوة يفتقر إلى الحلاوة والعمق والنضارة؟ قد يكون السبب هو “القهوة المخبوزة”، وهو عيب تحميصي شائع لا يرتبط بجودة الحبوب بقدر ما يرتبط بأخطاء في إدارة الحرارة أثناء التحميص. في هذا التقرير، يشرح إنيو كانترجياني، مدير أكاديمية القهوة في سويسرا، كيف تفسر الفيزياء والكيمياء هذا العيب، ويقدم توصيات علمية دقيقة لتفاديه وتحقيق نكهة مثالية.

قد يتذوق البعض فنجانًا من القهوة فيصفه بأنه “باهت”، أو “مسطح”، أو “خالٍ من الحياة”، دون أن يدرك أن هذه الصفات ليست انطباعات ذوقية عابرة، بل انعكاس لعيب حسي يُعرف في عالم التحميص باسم “القهوة المخبوزة”. ورغم أن المصطلح شاع في أوساط المحمّصين، إلا أن أسبابه العلمية لا تزال غائبة عن كثير من المتذوقين.

إنيو كانترجياني، المؤسس والمدير التنفيذي لأكاديمية القهوة في سويسرا، يقدّم تفسيرًا علميًا دقيقًا لهذا العيب. فوفقًا له، تنشأ القهوة المخبوزة نتيجة تحميص يتم بوتيرة بطيئة وبمعدلات نقل حراري غير كافية، ما يعيق تطوّر المركّبات العطرية داخل الحبوب، ويمنعها من الوصول إلى التعقيد المطلوب في الطعم والرائحة.

جوهر المشكلة يكمن في مرحلة دقيقة خلال التحميص تُعرف علميًا باسم “درجة الانتقال الزجاجي” (Tg). في هذه النقطة، تتحول حبوب القهوة من حالة صلبة إلى أخرى أكثر ليونة، ما يسمح بزيادة حركة الجزيئات داخل بنية الحبة. وهذه الحركة ضرورية لتحفيز التفاعلات الكيميائية مثل تفاعلات ميلارد والكرملة، التي تُنتج الروائح والنكهات التي تميز القهوة الجيدة.

لكن عندما تبقى درجات الحرارة منخفضة أو تقترب فقط من هذه العتبة دون تجاوزها، تصبح الحركة الجزيئية محدودة، وتتباطأ التفاعلات الكيميائية الحيوية داخل الحبة. في النتيجة، نحصل على قهوة خالية من التعقيد، قليلة الحلاوة، منخفضة السطوع، ومفتقرة إلى العمق الذي يميّز التحميص المتقن.

ولا يتوقف أثر التحميص البطيء عند حدود النكهة، بل يمتد إلى بنية الحبوب نفسها. فبقاء الحبوب لفترة طويلة قرب مرحلة الانتقال الزجاجي يؤدي إلى انخفاض مساميتها، ما يؤثر على جودة الاستخلاص أثناء التحضير. وتبدو النتيجة في الكوب على شكل جسم مسطح، ونكهة ضعيفة، وتجربة تفتقر للحيوية.

ولتفادي هذه النتيجة، يشدّد كانترجياني على أهمية ضمان انتقال حراري فعّال ومتوازن طوال عملية التحميص، وتفادي إطالة زمن التحميص في درجات حرارة قريبة من مرحلة التحول الزجاجي. كما يوصي بضبط معايير التحميص بما يتناسب مع كثافة الحبوب ومحتواها الرطوبي، لضمان أفضل تطوّر ممكن للنكهات.

في النهاية، “القهوة المخبوزة” ليست مجرد خلل في الطعم، بل حالة يمكن تفسيرها وفهمها من منظور علمي دقيق. ومع تزايد التطلعات نحو قهوة ذات جودة عالية، تفرض المرحلة الحالية على محترفي التحميص أن يجمعوا بين الحس الفني والدقة العلمية، لضمان فنجان يحمل كامل الحيوية والتوازن الذي يستحقه عشّاق القهوة المختصة.

Spread the love
نشر في :