A person holding a cup of black coffee near a window in the early morning, with no food on the table, representing drinking coffee on an empty stomach.
Image Credit- qahwaworld.com

نحو فهم علمي جديد.. هل شرب القهوة على معدة فارغة فعلاً مضر؟

موسكو – 4 أغسطس 2025 (قهوة ورلد) – من طقوس الصباح المنتشرة حول العالم أن يبدأ الإنسان يومه بفنجان قهوة. هذا الطقس اليومي، الذي يجمع بين الراحة النفسية والدافع للانطلاق، كثيرًا ما يواجهه تساؤلٌ علمي مشروع: هل من الآمن شرب القهوة على معدة فارغة؟ وهل هذا السلوك الشائع يشكل خطرًا على الصحة كما يُشاع في كثير من الأوساط؟ خلال السنوات الماضية، انتشرت تحذيرات تقول إن شرب القهوة دون تناول الطعام أولًا قد يسبب تهيج المعدة، أو يُحدث اضطرابًا في الجهاز الهضمي، أو حتى يزيد من مستويات التوتر الصباحي. اليوم، يحمل العلم وجهة نظر مختلفة تستحق التوقف عندها.

تؤكد دراسات حديثة أن تناول القهوة على معدة فارغة لا يُعد مضرًا بحد ذاته لدى معظم الأشخاص الأصحاء. وعلى عكس الشائع، فإن الربط بين القهوة الصباحية ومشكلات المعدة مثل الحموضة أو التهاب المعدة لم يتم تأكيده علميًا. فقد أظهرت مراجعات علمية منشورة في دوريات طبية محكّمة أن استهلاك القهوة، حتى قبل الإفطار، لا يؤدي تلقائيًا إلى حدوث أضرار في بطانة المعدة، ولا يحفز التهابات أو تقرحات لدى الأشخاص الذين لا يعانون من مشكلات هضمية سابقة.

إحدى أبرز الدراسات التي ساهمت في قلب المفهوم القديم نُشرت في مجلة Planta Medica، حيث أشارت إلى عدم وجود علاقة سببية بين شرب القهوة في الصباح وبين اضطرابات الجهاز الهضمي، بشرط الاعتدال في الكمية. وقد علّق باحثون على أن الانزعاج الذي يشعر به بعض الأشخاص عند شرب القهوة على معدة فارغة يعود في الغالب إلى “حساسية فردية تجاه الكافيين”، وليس إلى وجود ضرر مباشر من القهوة نفسها.

أما الحديث عن تأثير القهوة على “هرمون التوتر” المعروف بالكورتيزول، فهو بدوره بحاجة إلى توضيح علمي دقيق. صحيح أن مستوى الكورتيزول يرتفع بشكل طبيعي بعد الاستيقاظ، لكن إضافة جرعة من الكافيين لا تعني بالضرورة حدوث “إجهاد داخلي”. فقد أظهرت دراسة أجراها مركز العلوم الطبية في جامعة أوكلاهوما أن تناول القهوة في الصباح يؤدي إلى ارتفاع طفيف ومؤقت في مستويات الكورتيزول، لكنه لا يُعد خطرًا صحّيًا، ولا يؤدي إلى اختلال في نظام التوتر لدى الأفراد المعتادين على شرب القهوة. بل إن الجسم مع التكرار يُظهر نوعًا من “التحمّل” لهذا الأثر، ليصبح شبه غير ملحوظ مع الوقت.

في المقابل، فإن القلق المشروع لا يزال قائمًا حول مسألة الإدمان. فالقهوة، رغم فوائدها، تُعد مشروبًا منبّهًا يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وقد يؤدي الإفراط في تناولها إلى الاعتماد النفسي، أو إلى ما يُعرف طبيًا بـ “الاعتماد المعتدل على الكافيين”. وعند تجاوز الجرعة اليومية الآمنة — والتي حددتها الهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء EFSA بنحو 400 ملغم من الكافيين يوميًا، ما يعادل 4 إلى 5 أكواب من القهوة — قد تظهر أعراض جانبية مثل القلق، تسارع ضربات القلب، اضطرابات النوم، أو ارتفاع مؤقت في ضغط الدم، خاصة لدى الأشخاص ذوي الحساسية العالية.

لكن الأهم في هذا السياق هو أن كل تلك الآثار لا ترتبط بشكل مباشر بكون القهوة شُربت قبل الأكل أو بعده، بل بكمية الكافيين المتناولة، وبتركيبة جسم الشخص نفسه، واستجابته الفردية.

لذلك، فإن تناول القهوة على معدة فارغة لا يُعتبر خطرًا بحد ذاته، ما دام الإنسان لا يعاني من مشكلات صحية خاصة، وما دام يلتزم بالاعتدال. وبالنسبة لمن يشعر بأعراض مزعجة بعد شرب القهوة في الصباح، كالحموضة أو الغثيان، فإن الحل ليس الامتناع التام، بل ربما تقليل التركيز، أو تأجيل الفنجان لما بعد الإفطار الخفيف.

في النهاية، يبقى شرب القهوة على الريق عادة شخصية، تختلف من شخص لآخر، ولا توجد قاعدة طبية صارمة تمنعها. المهم هو أن يصغي كل واحد إلى جسده، ويجد الإيقاع المناسب له، لأن القهوة حين تُشرب بوعي، وفي إطار نظام غذائي متوازن، تبقى واحدة من أكثر المشروبات الطبيعية فائدة ومتعة.

ملاحظة طبية:

المعلومات الواردة في هذا التقرير لا تغني عن استشارة الطبيب. للأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الجهاز الهضمي أو حساسية مفرطة للكافيين، يُنصح بالتحدث مع مختص قبل تعديل نظامهم الغذائي.

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon