صدأ أوراق القهوة لا يعرف الحدود.. دراسة عالمية تكشف تفاعل البيئة والجينات في مقاومة أرابيكا
في تعاون علمي غير مسبوق، قدمت منظمة «البحوث العالمية للقهوة» بالتعاون مع شركاء من 15 دولة أوسع دراسة ميدانية حتى الآن لتقييم مقاومة أصناف بن أرابيكا لمرض صدأ أوراق القهوة. نُشرت هذه الدراسة في مجلة علمية، وتشكل نقطة تحول في فهم كيفية تفاعل التركيب الوراثي للبن مع البيئات الزراعية المختلفة. وتوفر نتائجها معلومات دقيقة وعملية للمزارعين والمُحسِّنين حول العالم.
تم اختبار 29 صنفًا من أرابيكا في 23 موقعًا بحثيًا حول العالم، بهدف التصدي لمرض صدأ الأوراق الذي تسببه فطريات مدمرة تُدعى «هيميليا فاستاتريكس»، والتي تهدد محاصيل البن وجودتها. وقد تصل الخسائر في المحصول إلى أكثر من 75% في الحالات الشديدة.
قالت الدكتورة تانيا هامفري، المديرة العلمية للمنظمة: «لا يمكن لأي دولة أو مؤسسة بمفردها حل هذا التحدي المعقد. هذا البحث يثبت أن التعاون العالمي هو السبيل الوحيد لفهم المشكلة والتصدي لها بفعالية».
تهديد عالمي لزراعة البن
تم توثيق مرض صدأ أوراق القهوة لأول مرة في زراعات تجارية في سريلانكا عام 1869، ثم انتشر تدريجيًا ليصل إلى جميع مناطق إنتاج البن، بما في ذلك هاواي في عام 2020. ومع وجود أكثر من 55 سلالة فسيولوجية معروفة من الفطر، فإن السيطرة على المرض تتطلب نهجًا متجددًا ومرنًا.
يتمتع البن العربي بجينات مقاومة تُعرف بـ SH1 إلى SH9، استُمدت من أنواع برية مثل «كانيفورا» و«ليبيريكا»، لكن لم يتم دمج كل هذه الجينات في صنف واحد تجاري، مما يعني أن المقاومة غير مضمونة تمامًا.
تجربة دولية لاختبار الأصناف
أطلقت المنظمة في عام 2015 مشروع «تجربة الأصناف متعددة المواقع»، والذي شاركت فيه 31 صنفًا من 11 برنامجًا لتحسين البن من مختلف أنحاء العالم. ومن خلال تحليل بيانات 23 موقعًا، تم تقييم مقاومة الصدأ في ظروف ميدانية حقيقية.
أظهرت النتائج أن مقاومة المرض تعتمد على تفاعل الجينات مع البيئة المحيطة. فالصنف الذي ينجح في منطقة معينة قد يفشل في أخرى بسبب تغيرات في المناخ، أو التربة، أو الإدارة الزراعية، أو سلالة الفطر السائدة.
يقول الدكتور خورخي بيرني ميير يي تيران، الباحث الرئيسي في الدراسة: «نحن لا نقدم حلاً موحدًا، بل نوفر أدوات علمية تُوجه المُحسِّنين والمزارعين لاختيار الأصناف الأنسب لكل بيئة».
نتائج رئيسية: المقاومة، والثبات، والتكيّف
من بين الأصناف التي أثبتت مقاومة عالية كانت EC16 المعروف باسم «موندو مايا»، و Ruiru 11، و Parainema، و Catigua MG2، و IPR107. ورغم تفوق بعض هذه الأصناف عالميًا، لم يكن أي منها محصنًا تمامًا.
برز صنف Parainema باعتباره من أكثر الأصناف توازنًا بين المقاومة والثبات، مما يجعله خيارًا ممتازًا للمزارعين في عدة مناطق. بينما أظهرت الأصناف النقية من أرابيكا ضعفًا نسبيًا، كانت الأصناف المهجنة بين الأنواع أكثر قدرة على مقاومة المرض، وخاصة تلك المشتقة من هجين تيمور.
لا مقاومة دون معرفة البيئة
أوضحت الدراسة أن مقاومة المرض لا تتعلق بالجينات وحدها، بل تتأثر بالموقع الذي يُزرع فيه البن. وتشمل هذه العوامل: المناخ، وارتفاع الأرض، والإدارة الزراعية، وتنوع سلالات الفطر.
باستخدام أدوات إحصائية متقدمة مثل مخططات GGE ونموذج WAASB، تمكن الباحثون من تحديد أربع «بيئات كبرى» تميزت كل واحدة منها بأصناف متفوقة محددة.
فمثلًا، برز صنف Catigua MG2 في الهند وإندونيسيا والسلفادور، بينما تفوق EC16 و Ruiru 11 في أجزاء من إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
قال ألبرتينو ميزا، مدير البحوث في تعاونية CENFROCAFE في بيرو: «هذه البيانات تمنح المزارعين الثقة لاختيار ما يناسبهم بناءً على دليل علمي، وليس على التقدير أو التجربة».
فوائد مباشرة لقطاع البن العالمي
يمكن تلخيص الفوائد التي ستجنيها الجهات المعنية:
-
المحسّنون: تحديد أفضل خطوط التهجين.
-
المزارعون: اختيار أصناف مناسبة لمناخهم.
-
الجهات الحكومية: توجيه السياسات الزراعية.
-
المصدرون والمحمصون: تأمين الإمدادات وتحسين الجودة.
ومع تزايد المخاطر المناخية والأمراض، تصبح مثل هذه الدراسات أمرًا حيويًا لبقاء واستدامة زراعة البن في العقود القادمة.
بناء القدرات وتعزيز البنية التحتية
ساهم المشروع أيضًا في تطوير القدرات المحلية للمؤسسات البحثية في البلدان المشاركة، من خلال تقديم التدريب والمعدات والمرافقة الفنية، مما مكّنها من مواصلة الأبحاث الميدانية والتعامل مع التحديات الجديدة.
قالت الدكتورة هامفري: «نحن لا نواجه المرض فقط، بل نبني جسورًا علمية بين القارات، ونعزز قدرات الدول لحماية البن».
نحو جيل جديد من البن المستدام
تشير الدراسة إلى أن استمرار المراقبة والبحث أمر ضروري، ليس فقط في مواجهة صدأ الأوراق، بل أيضًا في تحسين الصفات الأخرى مثل مقاومة الجفاف، وجودة الكوب، والإنتاجية.
كما تم نشر البيانات الكاملة للدراسة، مما يسمح باستخدامها من قِبل الباحثين والمزارعين والجهات الفاعلة في القطاع. وهذا يمثل دعوة مفتوحة لمواصلة التعاون والتشارك في المعلومات، لأن مستقبل البن يتطلب استجابة جماعية وعلمية لمواجهة التحديات القادمة.
لتحميل الدراسة الكاملة: تجارب دولية على أصناف بن أرابيكا تكشف عن تفاعل الجينات والبيئة في مقاومة صدأ أوراق القهوة.