كيف يؤثر التجفيف على جودة القهوة.. الفن الخفي وراء كل فنجان
تُعدّ مرحلة تجفيف القهوة جزءًا بالغ الأهمية من عمليات المعالجة بعد الحصاد. فبعد قطف حبوب البن، تحتوي الكرزات الناضجة على نسبة رطوبة تتراوح عادة بين 50 و60%. ويجب تقليل هذه النسبة تدريجيًا إلى مستوى آمن يتراوح بين 10 و12% من أجل الحفظ، ولتفادي نمو العفن والبكتيريا والتلف المبكر. غير أن التجفيف لا يقتصر على إزالة الرطوبة فحسب، بل يهدف أيضًا إلى الحفاظ على البنية الخلوية والتركيب الكيميائي للحبة، ما يسمح للمحمص بإبراز أقصى إمكانياتها الحسية.
ما الذي يحدث عند تجفيف القهوة بشكل غير سليم؟
-
تحميص غير متساوٍ بسبب تفاوت الرطوبة
-
فقدان المركبات العطرية المتطايرة
-
زيادة احتمال ظهور “الكويكرز” (حبوب غير مكتملة التطوير)
-
قصر العمر التخزيني للحبوب
-
ضعف التوازن في النكهة وغياب الوضوح في الكوب
من هنا، فإن التجفيف يلعب دورًا محوريًا في استقرار القهوة الخضراء، وتطور نكهاتها، وجودة الكوب النهائي.
المراحل الأربع لتجفيف القهوة
1. التجفيف السطحي الأولي
مباشرة بعد إزالة اللب أو الغسل (في المعالجة المغسولة أو العسلية)، تُنشر الحبوب في طبقات رقيقة تحت أشعة الشمس لتبخّر الرطوبة السطحية بسرعة. هذه الخطوة حاسمة لتجنّب العيوب الناتجة عن التخمّر غير المرغوب فيه.
أدوات مثالية: ساحات خرسانية، أسرّة مرتفعة، مجففات شمسية
الظروف المثالية: طقس جاف مشمس مع تهوية معتدلة
المدة الزمنية: 1 إلى 2 يوم حسب المناخ والطريقة
2. التجفيف الداخلي التدريجي
بعد التخلص من الرطوبة السطحية، تُجمع الحبوب في طبقات أكثر سماكة. وتصبح عملية التقليب ضرورية لضمان تجفيف متساوٍ. يجب مراقبة الإشعاع الشمسي في هذه المرحلة لتجنب تجاوز درجات الحرارة 40°C، إذ يمكن أن تؤدي إلى موت الخلايا داخل الحبة وتجفيف غير متجانس.
جدول التقليب: كل 30 إلى 60 دقيقة خلال فترات الذروة
الهدف من الرطوبة: بين 20% و16%
المخاطر: الحبوب تصبح أكثر حساسية للحرارة وعدم التوازن الميكروبي
3. مرحلة الاستراحة أو التثبيت
عند الوصول إلى مستوى رطوبة بين 16 و17%، تُترك الحبوب في أكوام مظللة أو مناطق خاصة للاستراحة. هذه المرحلة ضرورية لإعادة توزيع الرطوبة داخليًا بشكل متوازن قبل استكمال التجفيف.
رؤية علمية: أظهرت أبحاث البروفيسور فلافيو بوريم أن مرحلة الاستراحة تحسّن من توازن الرطوبة وتؤثر على تكوين المركبات العطرية، خاصة في القهوة الطبيعية والعسلية.
فائدة حسية: تُقلل من الطعم العشبي أو “الأخضر” الناتج عن رطوبة زائدة
4. المرحلة النهائية من التجفيف
وهي الأبطأ والأكثر حساسية. في هذه المرحلة، تُنشر الحبوب من جديد في طبقات رقيقة وتُجفف ببطء حتى تصل إلى نسبة الرطوبة الآمنة (10–12%). وتُستخدم تقنيات مثل “طريقة البركان” حيث تُكوّم الحبوب بشكل مخروطي لتقليل التعرض لأشعة الشمس المباشرة مع تعزيز التهوية.
أفضل الممارسات: تجفيف بدرجات حرارة معتدلة (<35°C)
الراحة ما بعد التجفيف: 15 إلى 30 يومًا لضمان توازن الرطوبة
تأثير التجفيف على التحميص وجودة الكوب
عندما يتم تجفيف القهوة بشكل موحّد، فإنها تتحمص بشكل متجانس. أما التجفيف غير المتساوي فيؤدي إلى تفاعل الحبوب مع الحرارة بدرجات مختلفة، مما يسبب تحميصًا غير متوازن ونكهات غير مكتملة أو مريرة أو حتى محترقة.
أمثلة توضيحية:
-
توزيع رطوبة واسع: متوسط الرطوبة يبدو طبيعيًا، لكنه يشمل حبوبًا جافة جدًا وأخرى رطبة جدًا، مما يؤدي إلى نتائج غير متجانسة في التحميص.
-
توزيع رطوبة ضيّق: كل الحبوب ضمن النطاق المطلوب، مما يسمح بنقل حرارة متساوٍ وتحميص مثالي.
معلومة مهمة: القراءة الفردية لمستوى الرطوبة لا تكشف كل الحقيقة. فالفهم الكامل للتوزيع ضروري لضمان الجودة.
من التجفيف إلى التحميص: سلسلة مترابطة من الجودة
يُشدّد ديوناثان ألميدا على أن مراحل ما بعد الحصاد والتحميص مترابطة تمامًا. ففي مزرعتي Aracaçu وCaxambu، يُنظر إلى التجفيف ليس فقط كمهمة فنية، بل كحرفة تتطلب العناية والتقدير. تُترك الحبوب لترتاح لمدة لا تقل عن 20 يومًا بعد التجفيف، وذلك احترامًا لدورة حياة الحبة.
هذا النهج يؤدي إلى:
-
نكهات أكثر وضوحًا وتطورًا
-
عمر تخزيني أطول للحبوب الخضراء
-
نتائج تقييم أعلى
-
شفافية وتتبع أفضل عبر سلسلة التوريد
تجفيف القهوة الطبيعية والمغسولة.. اختلاف جوهري
طرق التجفيف تختلف حسب أسلوب المعالجة:
-
القهوة الطبيعية: تجف مع القشرة الخارجية، مما يسمح بتخمّر يعزز الحلاوة والتعقيد
-
القهوة المغسولة: تُزال منها القشرة واللب قبل التجفيف، وتتميز بنكهات مشرقة وحمضية
-
القهوة العسلية: تحتفظ بجزء من الطبقة المخاطية، وتقدم توازنًا بين القوام والحموضة
كل طريقة تتطلب منحنى تجفيف خاص ومراقبة دقيقة.
البيئة والتجهيزات.. عوامل حاسمة في عملية التجفيف
نوع البنية التحتية – سواء ساحات خرسانية أو أسرّة مرتفعة أو بيوت بلاستيكية أو مجففات ميكانيكية – يؤثر مباشرة في سرعة التجفيف وتجانسه. كما تلعب المناخات المحلية والارتفاع والتهوية أدوارًا مهمة.
ميزة الارتفاع: الارتفاعات الأعلى توفر مناخًا أكثر برودة يسمح بتجفيف أبطأ وأكثر دقة
الأسرّة المرتفعة: تعزز التهوية من الأعلى والأسفل، مما يقلل من نمو الفطريات
الفرق بين الساحات الخرسانية والبلاطية: كل نوع يحتفظ بالحرارة بطريقة مختلفة، مما يؤثر على سلوك التجفيف
الخلاصة: التجفيف هو البطل الخفي
التجفيف ليس مجرد مرحلة بعد الحصاد، بل هو الجسر الذي يربط بين الزراعة والتحميص. إنه ما يحدد ما إذا كانت القهوة ستُعبّر عن كامل إمكاناتها أو ستتراجع في جودتها. إن فهم العلم والفلسفة وراء هذه العملية يمكّن المنتجين والمحمّصين والمشترين من تحقيق نتائج استثنائية.