هل يمكن لفنجان القهوة اليومي أن يكون مفتاحًا للشيخوخة الصحية؟ هذا ما تشير إليه دراسة جديدة من هولندا تربط بين شرب القهوة وانخفاض خطر الإصابة بالضعف الجسدي لدى كبار السن. إليكم أبرز ما جاء في نتائج الدراسة وأبعادها الصحية والغذائية.
في دراسة جديدة تحمل دلالات مهمة على الصعيدين الصحي والغذائي، كشفت نتائج بحث نُشر مؤخرًا في “المجلة الأوروبية للتغذية” لعام 2025 أن شرب القهوة بانتظام قد يساهم في تقليل خطر الإصابة بالضعف الجسدي لدى كبار السن. الدراسة، التي حملت عنوان “الارتباط بين استهلاك القهوة وخطر الإصابة بالضعف في مرحلة الشيخوخة”، أُجريت ضمن مشروع “دراسة الشيخوخة الطولية في أمستردام” (LASA) وشملت أكثر من ألف مشارك من البالغين الهولنديين ممن تزيد أعمارهم عن 55 عامًا.
وفقًا للدراسة التي قادتها الباحثة الهولندية “ميتي فان دير ليندن” وفريق من علماء الصحة العامة وعلم الأوبئة، فإن الذين شربوا أكثر من أربعة أكواب من القهوة يوميًا – أي ما يعادل 500 إلى 750 مل يوميًا على الأقل – كانوا أقل عرضة للإصابة بالضعف الجسدي مقارنةً بمن شربوا كميات أقل، وتحديدًا أقل من كوبين يوميًا.
الضعف الجسدي، أو ما يُعرف علميًا بـ“frailty”، هو حالة طبية متعددة الجوانب تصيب كبار السن وتؤثر على قدرتهم الحركية والبدنية، مما يزيد من خطر السقوط، فقدان الاستقلالية، الحاجة إلى رعاية طويلة الأمد، وحتى الوفاة. ويُقاس هذا الضعف باستخدام نموذج “فرييد” المكون من خمسة مؤشرات: فقدان الوزن غير المبرر، ضعف قبضة اليد، الشعور بالإرهاق، تباطؤ المشي، وانخفاض النشاط البدني.
وبحسب نتائج الدراسة، فإن المشاركين الذين شربوا من 4 إلى 6 أكواب من القهوة يوميًا كانوا أقل عرضة للإصابة بالضعف بنسبة 64%، في حين أن من تجاوز استهلاكهم 6 أكواب يوميًا سجلوا انخفاضًا مماثلاً بنسبة 63%، مقارنةً بمن شربوا كوبًا إلى كوبين يوميًا. وحتى من تناولوا ما بين كوبين وأربعة أكواب سجلوا تحسنًا في بعض المؤشرات، خصوصًا في تقليل فرص فقدان الوزن وضعف العضلات.
الأمر اللافت أن هذه النتائج لم تكن حكرًا على القهوة المحتوية على الكافيين، بل شملت أيضًا القهوة منزوعة الكافيين، ما يعزز فرضية أن مركبات أخرى غير الكافيين – مثل البوليفينولات والمواد المضادة للأكسدة – تلعب دورًا في التأثير الإيجابي على صحة العضلات والوظائف الجسدية.
كما شملت الدراسة تقييمًا استرجاعيًا لعادات شرب القهوة في منتصف العمر (ما بين سن 40 و65 عامًا)، ووجد الباحثون أن المشاركين الذين حافظوا على استهلاك معتدل للقهوة في تلك المرحلة، تحديدًا من 2 إلى 4 أكواب يوميًا، كانوا أقل عرضة للإصابة بالضعف في مراحل لاحقة من الحياة. ورغم أن هذه النتائج لم تحقق دلالة إحصائية قوية دائمًا، فإنها تُعد مؤشراً إضافياً على أهمية النظام الغذائي الممتد على مدى الحياة.
من جانب آخر، لم تجد الدراسة ارتباطًا واضحًا بين استهلاك القهوة والإصابة بما يُعرف بـ”مرحلة ما قبل الضعف” أو Pre-frailty، إلا أن بعض النتائج أشارت إلى تحسن طفيف لدى من شربوا قهوة بكميات معتدلة.
وبينما أشار الباحثون إلى أن هذه النتائج لا تُثبت وجود علاقة سببية مباشرة بين القهوة والوقاية من الضعف، فإنهم دعوا إلى إجراء دراسات مستقبلية لفهم الآليات البيولوجية الكامنة. ويُعتقد أن خصائص القهوة المضادة للالتهابات ومحتواها من المركبات النشطة بيولوجيًا تساهم في دعم صحة العضلات والأعصاب مع التقدم في السن.
وفي تعليق خاص للباحثة الرئيسية، أكدت “فان دير ليندن” أن أهمية هذه النتائج تكمن في أنها تفتح بابًا جديدًا للنقاش حول دور القهوة في دعم الشيخوخة الصحية، مشددة على أن هذا المشروب الشائع قد يكون أكثر من مجرد وسيلة للتركيز أو التسلية، بل جزءًا من نمط حياة غذائي داعم للوظائف الجسدية لدى كبار السن.
الخلاصة:
توفر هذه الدراسة نظرة متجددة حول فوائد القهوة، التي لم تعد تقتصر على اليقظة العقلية أو دعم التركيز، بل تتعداها إلى أبعاد أعمق ترتبط بالشيخوخة الصحية. فهل يصبح فنجان القهوة اليومي وسيلة علمية جديدة لمحاربة الهشاشة والتقدم بالعمر بأمان؟ يبدو أن الإجابة تقترب من “نعم” — على الأقل وفقًا للعلم.