دراسة علمية تكشف أسرار قهوة ستينوفيلا وإمكانياتها في تغيير مستقبل صناعة القهوة
كشفت دراسة جديدة نُشرت في مجلة علوم الغذاء عن تفاصيل كيميائية دقيقة حول قهوة ستينوفيلا، وهي نوع نادر من القهوة ينمو في غرب إفريقيا، يتميز بنكهة تشبه الأرابيكا مع قدرة عالية على تحمل درجات الحرارة المرتفعة. وتشير هذه الاكتشافات إلى أن ستينوفيلا قد تكون حلاً مستقبليًا لمزارعي القهوة الذين يعانون من آثار تغير المناخ.
تُعد القهوة واحدة من أكثر السلع المتداولة عالميًا، حيث تتجاوز صادراتها 10 مليارات كيلوغرام سنويًا. لكن تغير المناخ يشكل تهديدًا كبيرًا على محصول الأرابيكا، والتي تمثل أكثر من 60% من الإنتاج العالمي. تحتاج الأرابيكا إلى مناخ استوائي بارد لتنمو، حيث تزدهر على ارتفاع 1000 إلى 2200 متر مع متوسط درجة حرارة 18.7 درجة مئوية. ومع ذلك، فإن ارتفاع درجات الحرارة العالمية والتغيرات المناخية المتسارعة يهددان استمرار زراعتها في العديد من المناطق.
في المقابل، أظهرت الدراسة أن قهوة ستينوفيلا تنمو في درجات حرارة أعلى بمقدار 6.5 درجة مئوية مقارنة بالأرابيكا، مما يجعلها مرشحًا مثاليًا للزراعة في المناطق التي أصبحت غير مناسبة لزراعة الأرابيكا بسبب ارتفاع الحرارة.
من خلال تحليل كيميائي متقدم باستخدام تقنيات الفصل الطيفي، قارن الباحثون التركيب الكيميائي لحبوب القهوة غير المحمصة من ستينوفيلا، والأرابيكا، والروبوستا، وذلك للكشف عن العناصر المسؤولة عن النكهة.
أوجه التشابه بين ستينوفيلا والأرابيكا
أظهرت التحليلات أن ستينوفيلا تحتوي على العديد من المركبات التي تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد نكهة القهوة، مثل:
- الكافيين – بمستويات مماثلة لتلك الموجودة في الأرابيكا.
- التريغونيلين – مركب يساهم في النكهة ويؤثر على المذاق المر للقهوة بعد التحميص.
- السكروز – السكر الرئيسي في القهوة، والذي يعزز الحلاوة وعمليات الكرملة أثناء التحميص.
- حمض الستريك – عنصر أساسي في تحديد حموضة القهوة وطعمها الفاكهي، وهو موجود في مستويات متقاربة بين الأرابيكا وستينوفيلا.
- الأحماض الكلوروجينية – مركبات تؤثر على المذاق القابض وتوازن الحموضة والمرارة.
هذه النتائج تفسر لماذا وُجد أن نكهة قهوة ستينوفيلا قريبة جدًا من بعض أنواع الأرابيكا، خاصة بوربون رواندا المزروعة على ارتفاعات عالية.
الاختلافات الكيميائية الفريدة في ستينوفيلا
على الرغم من التشابه مع الأرابيكا، فإن الدراسة كشفت عن اختلافات كيميائية رئيسية تميز ستينوفيلا:
- الثيكرين – أحد الاكتشافات الأكثر إثارة، حيث تم العثور على مركب الثيكرين لأول مرة في حبوب القهوة، وهو مركب مشابه للكافيين ولكنه يتميز بتأثيرات تحسن المزاج والتركيز دون التحفيز المفرط.
- غياب مركب موزامبيوسيد – الموجود في الأرابيكا والذي يساهم في مرارة القهوة.
- مستويات عالية من بعض الأحماض الهيدروكسي سينامية – التي قد تؤثر على قوام القهوة وحموضتها.
- ملف تربينويدي فريد – إذ تحتوي ستينوفيلا على مركبات تربينويدية لا توجد في الأرابيكا أو الروبوستا.
التأثيرات على صناعة القهوة وسوقها
يمكن أن يشكل اكتشاف ستينوفيلا نقطة تحول مهمة للمزارعين الذين يواجهون خسائر بسبب تغير المناخ. فبدلاً من التخلي عن زراعة القهوة، قد يصبح لديهم بديل مقاوم للحرارة يحافظ على جودة الطعم المطلوبة في الأسواق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود الثيكرين في ستينوفيلا يمكن أن يفتح الباب أمام تطوير مشروبات قهوة جديدة بوظائف مختلفة، مما يعزز التنوع في سوق القهوة ويوفر خيارات أوسع للمستهلكين الذين يبحثون عن تأثيرات تحفيزية مختلفة عن الكافيين التقليدي.
كما تشير الدراسة إلى أن التحليل الكيميائي يمكن أن يكون أداة لضمان جودة القهوة ومنع الغش، خاصة مع احتمال أن تصبح ستينوفيلا سلعة فاخرة في السوق.
التحديات المقبلة وخطوات التوسع
رغم الإمكانيات الواعدة، لا تزال ستينوفيلا قهوة نادرة وغير مزروعة على نطاق واسع. لذلك، تحتاج إلى:
- التوسع في زراعتها – حاليًا، لا توجد مزارع تجارية كبيرة لهذا النوع من القهوة.
- تحسين عمليات ما بعد الحصاد – قد تؤثر تقنيات المعالجة على النكهة، مما يستدعي دراسات إضافية.
- اختبار قبول المستهلكين – رغم نتائج التذوق المشجعة، لا تزال هناك حاجة لمزيد من الاختبارات لضمان القبول الواسع لهذه القهوة.
ويؤكد الباحثون أن إدخال ستينوفيلا في السوق يمكن أن يساعد في تنويع مصادر القهوة، وتحقيق استدامة زراعتها، وضمان توفر القهوة في المستقبل رغم التغيرات المناخية.
إن التشابه الكبير بين نكهة قهوة ستينوفيلا والأرابيكا، إلى جانب مقاومتها للحرارة، يجعلها واحدة من أكثر الاكتشافات الواعدة في عالم القهوة. وإذا نجحت الجهود في زراعتها على نطاق أوسع، فقد تصبح جزءًا أساسيًا من صناعة القهوة العالمية، مقدمةً حلاً مستدامًا لمزارعي القهوة ومحبيها على حد سواء.