دبي، 19 أغسطس 2025 – (قهوة وورلد) – كشفت دراسة رائدة أن أسواق الكربون تتجاهل الحل الأكثر فاعلية في مواجهة تغيّر المناخ ضمن قطاع البن: حماية أنظمة الزراعة الظليّة القائمة بدل التركيز فقط على غرس أشجار جديدة.
وأظهرت الدراسة، التي قادها المعهد الوطني لحديقة حيوان سميثسونيان ومعهد سميثسونيان الاستوائي ونُشرت في مجلة Communications Earth & Environment، أن برامج الدفع مقابل الكربون تقلل من قيمة المزارع المزروعة تحت الظل. ففي حين يُكافأ المزارعون على غرس أشجار جديدة، لا يحصلون على أي تعويض مقابل الحفاظ على الأشجار الظليّة الناضجة، رغم أن هذه الأخيرة تخزن أكثر من ضعف كمية الكربون مقارنة بما توفره الأشجار المزروعة حديثًا.
تغطي مزارع البن عالميًا أكثر من 10 ملايين هكتار، تتنوع بين مزارع شمسية مكشوفة وأخرى حرجية معقدة حيث تنمو أشجار البن تحت مظلة أشجار محلية كثيفة. هذه الأشجار لا تقتصر أهميتها على توفير الظل، بل تلعب دورًا حاسمًا في تخزين الكربون وتنظيم المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي. ومع ذلك، لا تكافئ أسواق الكربون سوى مشاريع الغرس الجديدة، مما يخلق حافزًا معاكسًا قد يشجع على قطع الأشجار القديمة لاستبدالها بأشجار جديدة مؤهلة للحصول على اعتمادات الكربون.
وقالت الدكتورة روث بينيت، الباحثة البيئية في معهد سميثسونيان وكبيرة مؤلفي الدراسة: “هناك استثمارات ضخمة وراء مشاريع غرس الأشجار في المزارع المتدهورة، لكن لا توجد حوافز مالية تقريبًا – باستثناء شهادة Bird Friendly® – لحماية الأشجار الظليّة القائمة.”
الأشجار الظليّة في مواجهة الغرس الجديد
اعتمد الباحثون على 67 دراسة ميدانية أُجريت في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وقاموا بنمذجة تخزين الكربون في مختلف أنظمة زراعة البن. وخلصوا إلى أن مزارع البن تحتفظ حاليًا بـ 481.6 مليون طن متري من الكربون فوق سطح الأرض.
في سيناريو غرس الأشجار، لو زرعت جميع المزارع الشمسية أشجار ظل إضافية، فلن تضيف سوى 82–87 مليون طن متري من الكربون. أما في سيناريو إزالة الأشجار، فإذا تحولت جميع المزارع الظليّة إلى مزارع شمسية أحادية، فسوف يُفقد 174–221 مليون طن متري من الكربون – أي أكثر من ضعف المكاسب المحتملة من الغرس.
هذه النتائج تكشف خللًا هيكليًا في استراتيجيات المناخ الحالية، إذ إن الأشجار الناضجة القائمة تمثل مخزونًا كربونيًا هائلًا لا يمكن تعويضه بمجرد غرس أشجار جديدة.
كما أظهرت الدراسة أن المزارع الظليّة أكثر فائدة للتنوع البيولوجي؛ إذ تحتضن ما يصل إلى أربعة أضعاف أنواع الطيور مقارنة بالمزارع الأحادية. لكن المشاريع التي تركز على الكربون غالبًا ما تعطي الأولوية للكثافة على حساب التنوع، ما يحد من الفوائد البيئية الأخرى.
وحذرت الدكتورة إيميلي بابو، المؤلفة الرئيسية: “إذا لم نعطِ الأولوية للتنوع البيولوجي في مشاريع الكربون، فلن يحدث ذلك تلقائيًا. على شركات البن أن تختار المزيج الصحيح من الأشجار، وليس فقط الأنواع الأسرع نموًا.”
التداعيات المناخية والاقتصادية
تواجه المجتمعات الزراعية ضغوطًا متزايدة؛ إذ يلجأ بعض المزارعين إلى قطع الأشجار لزيادة الإنتاج قصير المدى، رغم أن الدراسات تثبت أن الظل يساعد في استقرار المحاصيل عبر تنظيم درجات الحرارة والرطوبة. وفي الوقت ذاته، تضخ شركات البن الكبرى ملايين الدولارات في مشاريع غرس الأشجار لتحقيق أهدافها المناخية، لكن هذه الجهود مهددة بالفشل إذا استمرت خسارة الأنظمة الظليّة القائمة.
الأبعاد الاقتصادية لا تقل خطورة، فالبن يدرّ على الاقتصاد العالمي ما يقارب 200 مليار دولار سنويًا. ومع دخول قانون الاتحاد الأوروبي لمكافحة إزالة الغابات (EUDR) حيّز التنفيذ، والذي يفرض سلاسل توريد خالية من إزالة الغابات، ستصبح حماية المزارع الظليّة أكثر إلحاحًا.
ويطالب الباحثون بإصلاح عاجل لأسواق الكربون من خلال إنشاء اعتمادات حماية تكافئ الحفاظ على الأشجار الظليّة الناضجة. كما يوصون بأن تركز مبادرات الغرس على التنوع بدلًا من الكثافة وحدها، بما يضمن فوائد مشتركة للكربون والتنوع البيولوجي.
ويعمل فريق سميثسونيان على تطوير “كاتالوج الظل” لمساعدة المزارعين في اختيار الأنواع المناسبة التي توازن بين الإنتاجية وتخزين الكربون ودعم الحياة البرية. كما تتيح شهادات مثل Bird Friendly® للمزارعين دخول أسواق متخصصة بأسعار أعلى، ما يعزز حوافز الحماية.
في النهاية، تعيد هذه النتائج صياغة مفهوم “البن الذكي مناخيًا”. فبينما يمثل غرس الأشجار خطوة إيجابية، إلا أن حماية الأنظمة القائمة توفر فوائد أكبر وأكثر فورية. وكما خلصت الدكتورة بينيت: “الغرس له قيمة، لكنه لا يمكن أن يعوض ما نخسره عند إزالة الأشجار الظليّة الناضجة.”