إطلاق إمكانات الاقتصاد الدائري للقهوة.. مسار نحو الاستدامة العالمية

إطلاق إمكانات الاقتصاد الدائري للقهوة.. مسار نحو الاستدامة العالمية

تُعد صناعة القهوة جزءًا لا يتجزأ من حياة مليارات الناس حول العالم، إذ تُنتج أكثر من 10 ملايين طن من القهوة سنويًا في أكثر من 12 مليون مزرعة موزعة على 10.6 مليون هكتار من الأراضي الزراعية. ورغم أن القهوة ليست مجرد مشروب يومي بل رمز ثقافي واقتصادي عالمي، إلا أن وراء أكثر من 3 مليارات كوب يُستهلك يوميًا تكمن حقيقة مقلقة: لا ينتهي سوى 1-5% فقط من حبة القهوة الأصلية في الكوب، بينما تُترك حوالي 40 مليون طن من الكتلة الحيوية كمخلفات سنوية.

هذا الحجم الهائل من النفايات يمثل تحديًا حقيقيًا لكنه أيضًا فرصة واعدة. إذ يبرز الحاجة الماسة إلى تبني ممارسات أكثر استدامة في إنتاج القهوة واستهلاكها – ممارسات تُسهم في تقليل الهدر واستغلال الإمكانات الكامنة، مما يفتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية في المناطق المنتجة للقهوة.

إمكانات الحلول الدائرية

بات مفهوم الاقتصاد الدائري يكتسب أهمية متزايدة في مختلف الصناعات، بما في ذلك صناعة القهوة. ويُعنى هذا المفهوم بإعادة التفكير في كيفية استخدام الموارد وإعادة تدويرها، مما يتيح فرصًا عديدة، منها:

  • تحقيق دخل وفرص عمل جديدة، لا سيما في الدول المنتجة للقهوة.
  • معالجة القضايا البيئية الملحة، مثل إدارة النفايات وتقليل الانبعاثات الكربونية.
  • تعزيز الابتكار في تطوير منتجات مستخلصة من الكتلة الحيوية للقهوة.

وفي مناطق مثل أوروبا، التي تمثل 24% من استهلاك القهوة العالمي، والبرازيل، التي تُعد من أكبر الدول المنتجة للقهوة، يمكن أن يكون لتبني الحلول الدائرية أثر كبير على المستويات المحلية والعالمية.

التحديات التي تواجه تطبيق الحلول الدائرية

رغم ما يحمله الاقتصاد الدائري من إمكانات هائلة، إلا أن تطبيقه في قطاع القهوة يواجه العديد من العقبات، من أبرزها:

  • نقص المعرفة: ضعف الوعي بمفهوم الاقتصاد الدائري يحد من انتشاره.
  • قصور الأنظمة التنظيمية: غياب السياسات المناسبة يُعوق التطبيق على نطاق واسع.
  • قلة الاستثمارات: ضعف التعاون بين القطاعين العام والخاص يُبطئ مسيرة التغيير.

هذه التحديات تتطلب تنسيقًا عالميًا بين الأطراف المعنية، مع تعزيز الاستثمار وتطوير الشراكات المبتكرة.

مركز الاقتصاد الدائري للقهوة

لمواجهة هذه التحديات، أُنشئ مركز الاقتصاد الدائري للقهوة لسد هذه الفجوات، وذلك بدعم من مؤسسات رائدة مثل مؤسسة لافاتزا، وجامعة البوليتكنيك في تورينو، وجامعة علوم الطهي في بولينزو، والمنظمة الدولية للقهوة (ICO)، ومركز التجارة الدولية (ITC)، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو).

يسعى هذا المركز إلى بناء شبكة عالمية تجمع بين البحث والابتكار لتطبيق الحلول الدائرية بشكل عملي وفعال، بما يخدم جميع الأطراف في سلسلة إنتاج القهوة، بدءًا من المزارعين وصولًا إلى المستهلكين.

مستقبل القهوة

مع تزايد الطلب على القهوة عالميًا، تمتلك هذه الصناعة فرصة تاريخية لتصبح نموذجًا للاستدامة. ومن خلال تحويل النفايات إلى موارد واستثمار الحلول الدائرية، يمكن لقطاع القهوة أن يكون رائدًا في تعزيز الاستدامة البيئية والتنمية الاقتصادية.

إن مستقبل القهوة لا يقتصر على ما يصل إلى الكوب، بل يشمل بناء أنظمة مبتكرة ومستدامة تضمن نفع الجميع. ومن خلال التعاون والتفاني، يمكننا إعادة تصور القهوة كرمز للمسؤولية البيئية، والازدهار الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي، كوبًا بعد آخر.

Spread the love
نشر في :