Front view of the DMCC Coffee Centre in Dubai, a key facility connecting global coffee producers and traders within the world’s coffee supply chain.

دبي.. محور التجارة العالمي القادم في القهوة

دبي — قهوة ورلد

تواصل دبي ترسيخ مكانتها كواحدة من أبرز القوى الصاعدة في تجارة القهوة العالمية. فبعد أن اشتهرت تاريخيًا بتجارتها في الذهب والنفط واللوجستيات، تعيد الإمارة اليوم رسم صورتها كمحور عالمي لتجارة القهوة، يربط بين الدول المنتجة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، والأسواق الاستهلاكية في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية. وبفضل موقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتطورة وثقافتها المتنامية في القهوة المختصة، تقترب دبي من أن تصبح المركز العالمي الأهم في تجارة القهوة.

القهوة ليست مجرد مشروب يومي، بل صناعة عالمية تقدر قيمتها بأكثر من 200 مليار دولار وتدعم أكثر من 25 مليون مزارع صغير حول العالم، وتُستهلك منها أكثر من ملياري كوب يوميًا. ومع ذلك، تواجه الصناعة تحديات كبيرة تشمل تغيّر المناخ وتقلب الأسعار واضطرابات سلاسل الإمداد وتغير أذواق المستهلكين. وفي خضم هذه التحولات، برزت دبي كقوة توازن واستقرار، تجمع بين الابتكار والشفافية والمرونة، لتوفر فرصًا جديدة للمنتجين والتجار على حد سواء.

يلعب مركز دبي للسلع المتعددة (DMCC) دورًا محوريًا في هذا التحول من خلال مركز القهوة التابع له والذي يقع في المنطقة الحرة بجبل علي، ويمثل منظومة متكاملة للخدمات تشمل التحميص والتخزين والتغليف والخدمات اللوجستية والتجارة. يضم المركز اليوم أكثر من 300 عضو من مختلف مراحل سلسلة القيمة في صناعة القهوة حول العالم، ويعمل بنظام الدفع حسب الاستخدام، ما يتيح للمنتجين الصغار ورواد الأعمال المستقلين دخول الأسواق العالمية دون التزامات مسبقة أو تكاليف ثابتة.

يقول مايك باتلر، مدير قسم القهوة في مركز دبي للسلع المتعددة: «إن نموذجنا مصمم ليكون مناسبًا تمامًا للأعمال الصغيرة، فهو مرن ويسمح لهم بالنمو والتوسع بسهولة».

من جانبه، يؤكد غارفيلد كير، رئيس جمعية القهوة المختصة (SCA) ومؤسس موكا 1450، أن «دبي تقود اليوم الاتجاه العالمي في ثقافة القهوة المختصة»، مضيفًا: «في دبي، أصبحت القهوة أشبه بالنبيذ في ثقافات أخرى؛ فهي تجربة اجتماعية وثقافية قائمة على الذوق والحرفية».

وخلال العقد الأخير، استبدلت دبي سطوة المقاهي العالمية بسلسلة من المحامص المحلية والمقاهي المستقلة التي تعكس ذوقًا عاليًا في القهوة. كما أصبح المستهلك في الإمارة أكثر وعيًا بمعايير الجودة والاستدامة وحداثة التحميص، مما عزز الطلب على القهوة الطازجة عالية الجودة.

ويمثل الموقع الجغرافي لدبي عاملًا حاسمًا في نجاحها. فهي تقع في نقطة وسط تقريبًا بين أكبر الدول المنتجة للقهوة مثل البرازيل وفيتنام وكولومبيا وإندونيسيا وإثيوبيا، ما يمنحها أفضلية طبيعية في شبكات الشحن العالمية. وبفضل قربها من شرق إفريقيا، أحد أسرع مراكز القهوة المختصة نموًا في العالم، أصبحت دبي بديلًا منطقيًا للمراكز الأوروبية التقليدية. ويقول باتلر: «إذا نظرت إلى خريطة الدول الخمس الكبرى المنتجة للقهوة، فستجد أن دبي تقع تقريبًا في المنتصف. إنها مسألة وقت فقط قبل أن تنافس هامبورغ كعاصمة عالمية لتجارة القهوة».

ويعتمد مركز القهوة التابع لـ DMCC على منصة تريد فلو (Tradeflow) الرقمية التي أحدثت نقلة نوعية في الشفافية، إذ تُخزّن جميع الدفعات المتداولة في بيئة محكمة الحرارة ويتم التحقق منها ماديًا قبل تنفيذ أي عملية بيع أو نقل ملكية، مما يعزز الثقة بين المنتجين والمشترين. كما يستخدم النظام تقنيات البلوك تشين لتتبع كل شحنة وتوثيقها، ويتيح خيارات تمويل رمزية تفتح المجال أمام صغار المزارعين للحصول على التمويل بشكل مباشر. كما ساعد التعاون مع رابطة القهوة الإفريقية الفاخرة (AFCA) المنتجين الأفارقة في الوصول إلى الأسواق العالمية وتخزين منتجاتهم في دبي وزيادة العائد من صادراتهم.

وتشهد دبي كذلك نهضة ثقافية في مجال القهوة، إذ أصبح معرض ” عالم القهوة دبي” واحدا من أبرز الأحداث السنوية في المنطقة، وجذب في عام 2025 أكثر من 17 ألف زائر و2000 عارض من مختلف أنحاء العالم، وشهد مزادات لأندر أنواع القهوة في العالم، بمشاركة أكثر من 130 علامة تجارية جديدة، ثلاثة أرباعها دولية. يقول جارفيلد كير: «لقد حضر العالم بأسره، ومنذ ذلك الحين يتنامى الحدث بوتيرة مذهلة. الابتكار القادم من دبي أصبح يؤثر في اتجاهات القهوة على مستوى العالم».

وفي الوقت الذي تتغير فيه خريطة تجارة القهوة، أصبحت الاستدامة محورًا رئيسيًا في رؤية دبي المستقبلية. إذ تسعى الإمارة إلى دعم الزراعة الذكية مناخيًا وتقليل الانبعاثات وتعزيز الشفافية الرقمية في سلاسل التوريد. ويُحذّر الخبراء من أن ما يصل إلى 50% من الأراضي الصالحة لزراعة القهوة اليوم قد تصبح غير مناسبة بحلول عام 2050 نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، مما يجعل التكيف مع المتغيرات المناخية ضرورة ملحة. ولهذا تتوسع المبادرات في تطبيق أنظمة الغابات الزراعية (Agroforestry) وتطوير أنواع مقاومة للجفاف، إلى جانب إعادة تدوير منتجات القهوة الثانوية.

كما تسهم دبي في تحويل التجارة نحو الاقتصاد الدائري، إذ تستخدم شركات مبتكرة بقايا القهوة لإنتاج مستحضرات تجميلية وزيوت ومواد قابلة للتحلل. وفي الوقت ذاته، يجري الاستثمار في عبوات قابلة للتدوير وكبسولات صديقة للبيئة ضمن توجه عالمي نحو تقليل البصمة الكربونية.

ويقول باتلر: «سواء في السوبرماركت أو النوادي الرياضية أو حتى في صالات السينما، أصبحت معايير القهوة ترتفع في كل مكان. ودبي مؤهلة تمامًا لقيادة هذا التحول من خلال دمج الابتكار والاستدامة والبنية اللوجستية في منظومة واحدة متكاملة».

في زمن تتغير فيه مسارات التجارة العالمية وتتزايد فيه التحديات المناخية والاقتصادية، نجحت دبي في تحويل رؤيتها إلى واقع ملموس. فقد أصبحت الإمارة مركزًا يجمع بين الثقافة والتقنية والتجارة، وأعادت صياغة مفهوم القيمة في فنجان القهوة. إنها لم تعد مجرد بوابة بين القارات، بل أصبحت العقل التجاري للقهوة العالمية، حيث تلتقي الحبوب والأفكار والاستثمارات لصياغة مستقبل مشروب العالم المفضل.

المصدر: تقرير مستقبل التجارة – الطبعة الخاصة بالقهوة، مركز دبي للسلع المتعددة (2025)

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon