دبي – علي الزكري
في عالم تتقاطع فيه الصحة مع الشغف، والعلم مع الحواس، اختارت الدكتورة أماني آدام أن تسلك طريقًا غير مألوف.. من الصيدلة إلى القهوة. لم تكتفِ بشربها، بل درستها كما يُدرس الدواء، لتكشف أسرارها الكيميائية وتأثيرها على المزاج والجسد.
رحلتها بدأت من تساؤل بسيط: لماذا تُشعرني القهوة أحيانًا بالراحة وأحيانًا بالانزعاج؟ ومن هذا التساؤل وُلد شغفها بفهم القهوة علميًا، فحوّلتها من مشروب يومي إلى وسيلة لتعزيز الصحة النفسية والجسدية.
في هذا الحوار الخاص مع قهوة ورلد، تكشف الدكتورة أماني كيف جمعت بين العلم والفن في فنجان واحد، وكيف تسعى لتغيير الطريقة التي ننظر بها إلى القهوة، من منبه صباحي إلى أسلوب حياة صحي ومتوازن.
تابعوا هذا الحوار الملهم لتكتشفوا كيف يمكن لكل رشفة أن تكون خطوة نحو العافية.
بدأتِ مسيرتكِ كصيدلانية، ثم اتجهتِ نحو القهوة كوسيلة لتعزيز الصحة. ما الذي قادكِ نحو هذا التحول الجريء، وكيف أثرت خلفيتكِ الطبية على شغفكِ بفهم تأثيرات القهوة؟
التحول بدأ عندما أدركت أن القهوة، رغم أنها مشروبي المفضل، كانت تؤثر أحيانًا على صحتي ومزاجي. بدلاً من التوقف عن شربها، قررت أبحث في السبب من منظور علمي، مستندة إلى خلفيتي في الصيدلة. هذا جعلني أنظر للقهوة بطريقة مختلفة تمامًا — كتركيبة كيميائية معقدة يمكن فهمها وتحسين الاستفادة منها. ومن هنا بدأ شغفي بالربط بين القهوة والصحة.
واجهتِ تحديًا كبيرًا عندما قيل لكِ إنكِ “كبيرة جدًا” لتبدئي من جديد في سن الثلاثين. ما الذي ساعدكِ على تحويل هذا الشك إلى دافع، وكيف شكّلت الماجستير في إدارة الأعمال رؤيتكِ للفرص الجديدة؟
بصراحة، تلك الجملة كانت نقطة تحول في حياتي. بدل أن تثنيني، جعلتني أكثر إصرارًا على التغيير. قررت أن أدرس إدارة الأعمال لأنني كنت أريد أن أدمج العلم بالقيادة والرؤية الاستراتيجية. الماجستير ساعدني أرى الفرص من منظور مختلف، وأفهم كيف يمكن تحويل الشغف إلى مشروع حقيقي وتأثير ملموس.
قصتكِ من القصص الملهمة فعلاً لمن يفكرون في تغيير مسارهم المهني. ما النصيحة التي تقدمينها لشخص يتردد في إعادة ابتكار نفسه، مستندة إلى تجربتكِ؟
أنصحه أن لا ينتظر اللحظة المثالية، لأنها لا تأتي. التغيير دائماً صعب في بدايته، لكنه ممكن بالإصرار والاستمرار. لم أجد كثيرين يشجعونني حين بدأت، لكن خبرتي في تحليل الأسواق ساعدتني أرى مستقبل القهوة في الشرق الأوسط كأحد أهم المجالات الصاعدة. كان هدفي أن أساهم في نقل المعلومة والعلم في هذا المجال. أهم شيء أن تبدأ بخطوة صغيرة، وتتعلم وتستمر، لأن كل تحدٍ هو فرصة جديدة للنمو. والأهم أن تؤمن بنفسك حتى عندما يشك الآخرون فيك.
لديكِ نهج خاص تصفينه بـ”تعزيز الصحة والمزاج في كل رشفة”… كيف تعرّفين القهوة الوظيفية، وما الذي يجعلها أكثر من مجرد مشروب منبه؟
القهوة الوظيفية بالنسبة لي هي القهوة التي لا تكتفي بإعطائنا الطاقة، بل تدعم صحتنا الجسدية والنفسية أيضًا. هي قهوة تُحضّر بعناية، من نوع الحبوب إلى طريقة التخمير، مع إضافة عناصر تعزز القيمة الغذائية. فلماذا لا نجعل مشروبًا يوميًا مصدرًا للصحة؟ إنها توازن بين النكهة والفائدة، وهي أسلوب حياة أكثر من كونها مشروبًا.
كثيرون يرون القهوة كمصدر للطاقة السريعة فقط. كيف تعملين من خلال محتواكِ على تغيير هذه النظرة لتصبح أداة للعافية اليومية؟
أحاول أقدّم القهوة من منظور علمي بسيط وممتع، أشرح كيف يمكن أن تكون وسيلة لتحسين المزاج والتركيز والرفاهية العامة إذا استُهلكت بوعي. أشارك نصائح عملية مثل اختيار الوقت المناسب لشرب القهوة أو الأنواع المناسبة لكل حالة صحية، وتلقيت الكثير من النتائج الإيجابية من الناس الذين طبقوا هذه الإرشادات.
ما أبرز المفاهيم الخاطئة عن القهوة وصحتها التي تواجهينها، وكيف تساعدين الناس على اتخاذ خيارات أكثر وعيًا؟
من أكثر المفاهيم الخاطئة أن القهوة “تضر بالصحة” أو “تسبب الجفاف”. الحقيقة أن التأثير يعتمد على الكمية ونوعية البن وطريقة التحضير. أحرص دائمًا على توعية الناس أن القهوة يمكن أن تكون مفيدة جدًا إذا فُهمت وتناولت بطريقة صحيحة.
أنتِ حائزة على شهادتين في تقييم القهوة.. ما تأثيرهما عليكِ وكيف وضعتاكِ عند تقاطع العلم والفن في عالم القهوة؟
هاتان الشهادتان غيرتا نظرتي تمامًا للقهوة. تعلّمت أن التقييم لا يعتمد فقط على الذوق، بل على فهم التركيب الكيميائي والنكهة والرائحة. وجدت نفسي عند نقطة التقاء بين العلم والفن — حيث يمكن تحويل المعرفة العلمية إلى تجربة حسية ممتعة.
كيف ساعدتكِ هاتان الشهادتان في ربط النكهات بالفوائد الصحية، مثل اختيار حبوب تعزز المزاج؟
أصبحت أستطيع تحديد خصائص الحبوب التي تحتوي على مركبات تعزز الطاقة أو تحسّن المزاج، مثل أنواع الأرابيكا الغنية بمضادات الأكسدة. أتعامل مع القهوة الآن كوسيلة لتحسين الحالة النفسية وليس فقط كمنبه.
أنتِ في طريقكِ للحصول على شهادة Q Grader. ما الذي تعلمتيه عن العلاقة بين جودة القهوة (من نكهة ورائحة) وتأثيرها على الصحة النفسية؟
تعلمت أن القهوة الجيدة ليست مجرد نكهة متقنة، بل تجربة متكاملة تبدأ من الرائحة وتنتهي بتأثيرها على الشعور العام. الروائح والنكهات العالية الجودة فعلاً تؤثر على الجهاز العصبي والمزاج بطريقة إيجابية، وكثير من الناس يتجنبون القهوة بسبب المفهوم الخاطئ عن مرارتها فقط.
أطلقتِ منصة رقمية متخصصة في محتوى القهوة الصحية. ما الذي دفعكِ لهذه الخطوة، وكيف تختارين المواضيع التي تشاركينها مع جمهوركِ؟
بدأت المنصة لأشارك المعرفة التي تمنيت لو كانت متاحة لي في البداية. أختار المواضيع بناءً على ما يحتاجه الناس فعلاً — مثل توازن الكافيين، القهوة قبل التمرين، أو علاقتها بالنوم والمزاج — وأحاول تقديمها بطريقة سهلة وممتعة.
كيف توازنين بين تقديم معلومات علمية دقيقة وجعلها سهلة وممتعة للجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي؟
أعتمد على تبسيط المعلومة دون فقدان دقتها. أستخدم أسلوبًا قريبًا من الناس، مع لمسة من الدعابة أو التجربة الشخصية، لأجعل العلم جزءًا من الحياة اليومية وليس مادة جافة.
كيف ترين مستقبل القهوة الوظيفية في دول الخليج، وما الاتجاهات العالمية في هذا المجال التي تثير اهتمامكِ؟
أرى مستقبل القهوة الوظيفية في الخليج واعدًا جدًا، خصوصًا مع زيادة الوعي بأسلوب الحياة الصحي. الاتجاه العالمي الذي يثير اهتمامي هو الدمج بين القهوة والمكملات الطبيعية، مثل البروبيوتيك أو الأعشاب المحسّنة للطاقة والمزاج. أعتقد أن المستقبل سيكون للقهوة التي تخدم الجسد والعقل معًا.
