سارة العلي: من شغف القهوة إلى ريادة الأعمال.. حكاية إلهام وتفوق
في عالم القهوة، حيث تنسج حبوب البن حكاياتها العطرية مع كل فنجان، تبرز قصة سارة العلي كواحدة من تلك القصص التي تحمل بين طياتها عبق الشغف والإلهام. من أول رائحة قهوة دافئة تملأ المكان، إلى إطلاق مقهاها الذي بات مرآةً لرؤيتها العميقة وفلسفتها الفريدة في عالم القهوة المختصة. سارة العلي لم تكن مجرد باريستا أو رائدة أعمال، بل كانت قائدة رحلة استكشاف تأخذنا عبرها إلى عوالم القهوة المختلفة، وتجسد من خلالها إصرارها وعزيمتها في تحقيق حلمها وتقديم الأفضل لعشاق القهوة في المملكة العربية السعودية. ندعوكم لمرافقتنا في هذا الحوار الدافئ والمُلهم للتعرف على تفاصيل رحلة سارة العلي في عالم القهوة.
1. ما الذي ألهمك لبدء مسيرة مهنية في صناعة القهوة؟
كانت فكرة افتتاح مشروع في مجال القهوة عام 2013 هي الشرارة الأولى التي قادتني إلى اكتشاف عالم القهوة وعلومها. وكانت أول خطوة في هذا المشوار هي دورة تدريبية في فرنسا على مهارات الباريستا التي جعلتني أتساءل عن الفرص المستقبلية لهذا المجال في السعودية. حينها قررت أن أتعمق أكثر في المجال وبشكل احترافي حتى اجتزت عدة دورات تدريبية إلى أن حصلت على رخصة التدريب عام 2018.
2. هل يمكنك اطلاعنا على قصة تأسيس مقهى ذات؟
بدأ مقهى ذات عام 2016 كمقهى متنقل يقدم خدماته داخل مباني الشركات والوزارات والهيئات للموظفين، وكان طاقم العمل 100% نسائي قمت بتدريبهن وتعليمهن فنون القهوة والمهارات اللازمة لتشغيل المقهى. بعد عدة سنوات، أصبحت الفكرة أكثر وضوحًا وروتين العمل أكثر استقرارًا، فقررت في عام 2019 البحث عن شركاء لتحقيق فكرة المشروع الأساسية وهي افتتاح مقهى قابل للتوسع والانتشار بشكل أكبر. ولكن كان التحدي الأكبر خلال جائحة كورونا، وتم تأجيل المشروع إلى أن تنتهي الجائحة. بالفعل، تم افتتاح الفرع الأول عام 2022.
3. ما هي الفلسفة الأساسية وراء مقهى ذات وكيف تضمنين تميزه في سوق القهوة التنافسي في الرياض؟
الفلسفة الحقيقية وراء الاسم «ذات» هي أنها تلمس أعمق ما في الإنسان والبصمة التي ينفرد بها كل شخص. فالذات هي ما يميز كل شخص عن الآخر وهي في حالة ديناميكية تجعلها في تغير وتطور مستمر مع كل تفاعل سواء مع البيئة أو الآخرين. وجدت في «ذات» وجه شبه مع القهوة، فلكل كوب قهوة بصمة ينفرد بها من حبوب البن إلى الشخص الذي يستمتع بالشرب من الكوب. أردت أن أنقل هذه التجربة المميزة في مقهى ذات من كوب محضر بإتقان إلى خدمة استثنائية على أيدي باريستا مميزين.
4. كيف ترين مشهد القهوة المختصة في المملكة العربية السعودية والمنطقة الأوسع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
مشهد القهوة في توسع ونمو سريع وتطور مستمر، خاصة مع الجهود المبذولة من حكومتنا الرشيدة لنشر ثقافة القهوة والمبادرات الواسعة مثل تسمية عام 2022 بعام القهوة والاستثمارات الضخمة في البن السعودي وتطوير أساليب الزراعة في المملكة. وكذلك في كثير من دول الخليج والشرق الأوسط نجد الاهتمام بنشر وتعزيز ثقافة القهوة وتاريخها عن طريق متاحف القهوة ومراكز التدريب والبطولات.
5. ما هي التحديات والفرص التي ترينها في سوق القهوة المختصة هنا؟
هناك الكثير من التحديات في سوق القهوة العالمي وسلاسل الإمداد التي تؤثر على السوق المحلي، بالإضافة إلى تشبع المنطقة بالمقاهي والمحامص. ولكن، كل هذه التحديات تخلق فرصًا جديدة، خاصة مع الاهتمام بمراكز جودة القهوة في العالم العربي ومراكز التعليم.
6. ما الذي دفعك لتصبحين مُقَيِّمة قهوة مرخصة وحكم في مسابقات القهوة وهل كان المشوار سهلاً؟
خلال مسيرتي وتعمقي في مجال القهوة، وجدت نفسي أميل أكثر لعلوم القهوة التي تعنى بجودتها، وخاصة العلوم الحسية. مجالات مثل تقييم جودة البن والتحكيم تزودني بفرص وتجارب مثيرة أكتسب من خلالها المهارات والمعرفة اللازمة لتطوري بشكل احترافي. بالطبع، المشوار لم يكن سهلاً، خاصة مع مسؤوليات العمل والمسؤوليات العائلية. الحصول على هذه الرخص يتطلب الكثير من الجهد والوقت والمال، ويتطلب مني السفر لساعات طويلة واجتياز اختبارات صعبة.
7. ما هي المهارات والمعارف الأساسية التي تركزين عليها عند تدريب الباريستا في برامج التدريب؟
في برامج التدريب ودورات جمعية القهوة المختصة، نقدم دورات في مسارات مختلفة تحت برنامج مهارات القهوة، منها مهارات الباريستا، مهارات الترشيح، والمهارات الحسية. كل دورة تركز على مهارات محددة مثل المهارات التقنية في تحضير القهوة، الصيانة الوقائية للأجهزة، كيمياء الماء والقهوة، طرق الاستخلاص، اختبارات التذوق وتقييم القهوة، والتعرف على مراحل إنتاج القهوة وسلاسل الإمداد.
8. كحكم في مسابقات القهوة، ما هي الاتجاهات البارزة التي لاحظتها، وكيف تعكس هذه الاتجاهات التطورات الأوسع في صناعة القهوة؟
لاحظت حضورًا أكبر للنساء في البطولات سواء على مستوى الحكام أو المتنافسين، ومشاركات أيضًا لكثير من الدول العربية مما يدعو للتفاؤل. ارتفع مستوى الباريستا بشكل عام سواء على الصعيد التقني أو المعرفي. كما ألاحظ تبني الكثير من التقنيات المبنية على بحوث علمية، واستعراض فصائل جديدة للقهوة على المسرح العالمي، واستيعاب أكثر للاختلافات بين الثقافات في الذائقة.
9. كيف ترين مستقبل القهوة من حيث الابتكار والاستدامة؟
مجال القهوة يتميز بأنه لا حدود للابتكار والإبداع فيه. نواجه يوميًا الكثير من التحديات التي تتطلب حلولًا مبتكرة، مثل الظروف المناخية المتقلبة في كثير من دول العالم المنتجة للبن، ومشكلات ندرة الأيدي العاملة، ونمط الحياة السريع. أرى انتشارًا سريعًا لمنتجات مثل الكبسولات وأظرف القهوة سريعة التحضير. ولكن، لازلنا مقصرين بشأن تطبيق أنظمة وأساليب تضمن الاستدامة في مجال القهوة بشكل عام.
10. ما هي النصائح التي تقدمينها للمحترفين الشباب الذين يسعون لترك بصمة في صناعة القهوة؟
كن قدوة لغيرك ومصدر إلهام بإحسانك في عملك وتواضعك في نقل المعلومة.
11. ما هي قهوتك المفضلة؟ هل هناك نوع معين من القهوة ترك انطباعًا دائمًا عليك؟
أستمتع بقهوة الصباح السوداء غالبًا من دول أمريكا الجنوبية بسبب اتزانها بين الحمضية والمرارة ونكهاتها اللطيفة. لدي مكانة خاصة لفنجان القهوة من أداة الركوة (الجزوة أو الكنكة) لأنها قهوة أمي المفضلة، ولأنني حققت أولى إنجازاتي في بطولات القهوة عن طريق هذه الأداة.
12. كيف توازنين بين مختلف الأدوار والمسؤوليات داخل صناعة القهوة؟
تحقيق التوازن يكاد يكون شبه مستحيل بين هذه الأدوار بسبب المسؤوليات الكبيرة وضغوطات العمل. ولكن، يعود الفضل بعد الله إلى فريق العمل المميز الذي يثبت جدارته في كل مرة أفوض له بعض المهام والمسؤوليات. الجانب الإيجابي هو أن الأدوار التي أقوم بها مرتبطة ببعضها البعض وتعتمد على بعضها. فكوني مقيمة، أبحث في مشروعي عن أجود الأنواع، وكوني مدربة، أوجه الفريق في التشغيل. تقييمي في التحكيم مبني على خبرة متراكمة وهكذا.