دراسة جديدة تكشف العلاقة بين درجات تحميص القهوة ومستوى الكافيين
كشفت دراسة حديثة وشاملة تأثير درجات تحميص القهوة على مستوى الكافيين المستخلص ومحتواه في المشروب النهائي، مما يتحدى بعض المعتقدات السائدة حول هذا الأمر في صناعة القهوة.
في الدراسة التي جاءت بعنوان “محتوى الكافيين في القهوة المفلترة كدالة لدرجة التحميص وعائد الاستخلاص”، قام الباحثون في كلية بيري وجامعة دريكسل بتحليل 30 تركيبة مختلفة تجمع بين أنواع البن الأخضر، درجات التحميص، وأوقات الاستخلاص.
واستخدم الباحثون تقنيات دقيقة مثل قياس الانكسار، التحليل الكروماتوجرافي عالي الأداء (HPLC)، والمجهر الإلكتروني الماسح للكشف عن ديناميكيات معقدة تتحكم في استخراج الكافيين.
وبحسب الخبراء، لطالما كان هناك جدل حول العلاقة بين درجات التحميص ومحتوى الكافيين، إلا أن هذه الدراسة تقدم تفسيرات مهمة من خلال عزل العوامل التي غالبًا ما أربكت النتائج السابقة.
- وتوصل الباحثون في الدراسة إلى نتائج مهمة، أبرزها:
- وصل محتوى الكافيين إلى ذروته عند التحميص بدرجات فقدان الكتلة بين 14-16٪، وهو ما يتوافق مع مستويات التحميص الفاتح إلى المتوسط. أما درجات التحميص الداكن، فقد أظهرت انخفاضًا عامًا في مستويات الكافيين.
- عند مقارنة المشروبات التي لها نفس مستوى الاستخلاص، أظهرت القهوة المحمصة بدرجات داكنة تركيزات أعلى من الكافيين، مما يتحدى الاعتقاد السائد بأن التحميص الفاتح يحتوي دائمًا على المزيد من الكافيين.
- مع تقدم عملية التحميص، تصبح حبوب القهوة أكثر مسامية، مما يعزز كفاءة الاستخلاص. لكن هذا التأثير يتلاشى بسبب خسائر الكافيين الناتجة عن التطاير عند درجات حرارة التحميص المرتفعة.
اعتمد الباحثون في دراستهم على أسلوب صارم لضمان الدقة وإمكانية التكرار. تم اختيار أنواع القهوة الإثيوبية، بما في ذلك القهوة الطبيعية (المعالجة الجافة) والمغسولة (المعالجة الرطبة)، لتنوع خصائصها. وتم تحضير خمس درجات مختلفة من التحميص باستخدام جهاز تحميص كهربائي متقدم (Aillio Bullet v2). ثم تم قياس خصائص كل درجة تحميص باستخدام معايير دقيقة مثل اللون والكثافة ونسبة فقدان الكتلة.
تمت عملية التحضير باستخدام أداة AeroPress بمعايير ثابتة، بما في ذلك نسبة الماء إلى القهوة (1:15). تم اختبار أوقات تحضير مختلفة (1، 2، و10 دقائق) لملاحظة الاختلافات في معدلات الاستخلاص. وللحد من التأثيرات الخارجية، تم التحكم في حجم الطحن من خلال الغربلة واستخدام ماء مُفلتر بخصائص كيميائية ثابتة.
أوضحت الدراسة أن معدل الاستخلاص – أي نسبة المركبات القابلة للذوبان المستخلصة من القهوة المطحونة – يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستوى الكافيين. وأظهرت النتائج اتجاهًا لتناقص معدلات الاستخلاص مع زيادة درجات التحميص الداكن، وهو ما يُعزى إلى تحلل المركبات القابلة للذوبان أثناء عملية التحميص.
رغم ذلك، أظهرت القهوة المحمصة بدرجات داكنة تركيزات أعلى من الكافيين عند مستويات استخلاص متساوية، وذلك بسبب انخفاض وجود مركبات أخرى قابلة للذوبان في التحميص الداكن، مما يتيح للكافيين أن يمثل نسبة أكبر من المادة المستخلصة.
كشفت الدراسة أيضًا عن دور المسامية في ديناميكيات الاستخلاص. باستخدام المجهر الإلكتروني الماسح، تم قياس التغيرات في المسامية عبر درجات التحميص المختلفة. ووجد الباحثون أن حبوب القهوة تصبح أكثر مسامية مع التقدم في عملية التحميص، مما يعزز من كفاءة استخراج المركبات القابلة للذوبان أثناء التخمير.
مع ذلك، أظهرت النتائج أن التحميص الداكن جدًا يؤدي إلى تراجع في احتفاظ الكافيين بسبب انهيار الهيكل الداخلي للحبوب.
لم تقتصر الدراسة على الكافيين فقط، بل تناولت أيضًا الأحماض الكلوروجينية، التي تُعتبر من مضادات الأكسدة المهمة. أظهرت الدراسة أن تركيزات هذه الأحماض تقل بشكل ملحوظ مع زيادة درجات التحميص، مما يجعل التحميص الفاتح خيارًا أفضل لمن يسعون للحصول على فوائدها الصحية.
توفر هذه الدراسة رؤى قيمة لمحبي القهوة حول كيفية تأثير خياراتهم في التخمير على مستوى الكافيين. فبينما يوفر التحميص الفاتح والمتوسط مستويات أعلى من الكافيين في الظروف العادية، يمكن تحقيق تركيزات مقاربة من التحميص الداكن إذا تم تحسين معايير الاستخلاص. بالإضافة إلى ذلك، تشير النتائج إلى أن التحميص الفاتح قد يكون أكثر احتفاظًا بالمركبات المفيدة مثل الأحماض الكلوروجينية.
تناولت الدراسة إشكالية التباين في النتائج السابقة المتعلقة بالتحميص ومستوى الكافيين. فقد أظهرت الأبحاث السابقة نتائج متناقضة بسبب اختلاف طرق التخمير، أحجام الطحن، وخصائص الماء المستخدم. من خلال توحيد هذه المتغيرات، توفر الدراسة إطارًا أكثر موثوقية لفهم تأثير التحميص.
تمثل هذه النتائج أهمية كبيرة للمهنيين في صناعة القهوة، من المحمصين إلى صناع القهوة. إذ يمكن للمحمصين تعديل ملفات التحميص لتحقيق التوازن بين احتفاظ الكافيين وتطوير النكهات، في حين يمكن لصناع القهوة تحسين طرق التخمير لاستخلاص المركبات المطلوبة.
علاوة على ذلك، تتماشى الدراسة مع الطلب المتزايد على الشفافية في صناعة القهوة المختصة، مما يعزز فهم المستهلكين لجوانب علمية دقيقة تتعلق بمشروبهم المفضل.
رغم القيمة الكبيرة لهذه الدراسة، فإنها تفتح المجال لاستكشاف أسئلة إضافية. هل يمكن أن تنتج طرق تخمير مختلفة مثل الإسبريسو أو التخمير البارد نتائج مماثلة؟ وكيف تؤثر عوامل أخرى مثل ارتفاع زراعة القهوة وطرق معالجتها على ديناميكيات الكافيين؟
تؤكد هذه الدراسة الرائدة على التعقيد المدهش للقهوة، حيث تؤثر كل متغيراتها – من منشأ الحبوب إلى درجة التحميص وطريقة التخمير – على النتيجة النهائية. من خلال الكشف عن الديناميكيات المعقدة لاستخلاص الكافيين، تسهم الدراسة في تعزيز فهم علم القهوة، مما يمكّن المهنيين والمستهلكين من اتخاذ قرارات مستنيرة.
مع تزايد شعبية القهوة المختصة، تذكرنا هذه الدراسات دائمًا بوجود المزيد لاكتشافه حول هذا المشروب العالمي المفضل.