في ظل الضغوط الاقتصادية.. كوب القهوة يتحول إلى رمز للسيطرة النفسية

في ظل الضغوط الاقتصادية.. كوب القهوة يتحول إلى رمز للسيطرة النفسية

مع تصاعد التحذيرات من ركود اقتصادي وتزايد أعباء المعيشة، يلجأ الكثيرون إلى إعادة تقييم نفقاتهم اليومية في محاولة للتكيف مع الواقع المالي الجديد. تتراوح هذه الخطوات بين تأجيل المشتريات الكبرى وإعادة النظر في خطط السفر وتقليص الإنفاق الترفيهي، وهو ما يعكس شعورًا عامًا بالقلق وعدم اليقين.

ومع ذلك، تظهر إلى جانب هذه القرارات العقلانية تصرفات رمزية تنبع من دوافع نفسية بحتة، حيث يلجأ البعض إلى “تضحيات” صغيرة لا تؤثر فعليًا على ميزانيتهم، لكنها تمنحهم شعورًا بالانضباط الأخلاقي والسيطرة الذاتية. ومن بين هذه التصرفات، برز الامتناع عن شراء القهوة الجاهزة كمثال بارز.

الكاتبة والصحفية البريطانية إيما بروكس كتبت في هذا السياق:

“لطالما كانت القهوة مقياسي الشخصي في مواجهة الأزمات. الامتناع عن شراء كوب قهوة يومي لا يحدث فارقًا ماليًا كبيرًا – فالتوفير السنوي لا يتجاوز 200 جنيه إسترليني – لكنه يمنحني شعورًا داخليًا بالإنجاز والتضحية.”

وتشير بروكس إلى أن هذا الشعور يرتبط جزئيًا بتصريحات شهيرة في السنوات الماضية، مثل ما قاله رجل أعمال أسترالي عن أن جيل الألفية لا يمتلك منازل بسبب إنفاقه على خبز الأفوكادو والقهوة، أو ما قاله مستثمر بارز في برنامج تلفزيوني بأن شراء القهوة من المقاهي عادة مالية “فاشلة”. ورغم أن هذه التصريحات أثارت الجدل، إلا أنها سلطت الضوء على فكرة أن بعض التضحيات اليومية قد تكون غير مجدية على المستوى الحقيقي.

وتتذكر بروكس تجربة خالتها الراحلة، وهي امرأة وحيدة ربت أطفالها الثلاثة دون أي دعم مالي خارجي، واستطاعت أن تسدد قرض منزلها خلال عشر سنوات فقط من خلال نمط حياة صارم قائم على التقشف الكامل. وتعلق على ذلك قائلة: “لم تعد المسألة بالنسبة لها متعلقة بالمال، بل تحولت إلى نوع من الإدمان على الحرمان، الأمر الذي يثير تساؤلات عميقة حول معنى الحياة دون القليل من المتعة.”

وتضيف بروكس أن معظم الناس، ممن لديهم أنماط إنفاق أكثر توازنًا، يواجهون صعوبة في تحديد مدى خطورة الوضع الاقتصادي، وبالتالي حجم التضحيات المطلوبة. وتستشهد بأحداث تاريخية لتوضيح الصورة: ففي الأزمة المالية العالمية عام 2008، خسر مؤشر الأسواق الأمريكية أكثر من 57% من قيمته، وخلال جائحة كوفيد-19 تراجعت الأسهم بنسبة 37%، بينما شهدت فترة الكساد الكبير بين عامي 1929 و1932 انخفاضًا بلغ 90%.

وفي ظل الأوضاع الراهنة، من المرجح أن تؤدي بعض التحولات الاقتصادية، مثل فرض رسوم جمركية أمريكية جديدة على البضائع الأوروبية والصينية، إلى ارتفاع أسعار المنتجات الفاخرة، مما قد يخلق تغيرًا في الذوق العام، يشبه ما حدث في عام 2008 حين تراجعت مظاهر الإنفاق الاستعراضي.

وفي ختام مقالها، تعود بروكس إلى القهوة، وتقول إنها، بعد الموازنة بين الاعتبارات الأخلاقية والعاطفية والمالية، قررت أن مبلغ 200 جنيه سنويًا “يستحق ذلك الشعور الصغير بالسعادة الذي تمنحه لي القهوة الجاهزة”. وتضيف: “لكل منا نسخته الخاصة من هذه المعادلة: نوفّر في أشياء بسيطة ثم ننفق مبالغ كبيرة، وكأننا نعوّض الحرمان الذاتي بمكافأة لاحقة. لا داعي للبؤس… اشتروا القهوة.”

Spread the love
نشر في :