مزارعو القهوة في البرازيل يلجؤون للري المكلف لمواجهة تغير المناخ وتلبية الطلب العالمي
أفادت وكالة رويترز في تقرير مفصل نُشر بتاريخ 31 مارس 2025 أن مزارعي القهوة في البرازيل بدأوا بالاعتماد بشكل متزايد على أنظمة ري مكلفة للحفاظ على الإنتاج وتلبية الطلب العالمي المتنامي، في ظل تغيّر أنماط الطقس وتكرار فترات الجفاف التي أثرت بشكل كبير على المناطق الرئيسية لزراعة القهوة في البلاد.
وبحسب التقرير، الذي استند إلى مقابلات مع أكثر من 20 مزارعًا وخبيرًا زراعيًا ومسؤولين في القطاع، أصبحت أنظمة الري المتقدمة مثل الري المحوري والري بالتنقيط ضرورة متزايدة، خاصة في منطقة باهيا الغربية، التي تُعد إحدى الجبهات الزراعية الجديدة في البرازيل.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، مزرعة “جوها” في ولاية باهيا، والتي يديرها رودريغو برونداني وتملكها شركة AFB&IOB، إحدى أكبر شركات إنتاج القهوة في العالم. تمتد المزرعة على مساحة 900 هكتار من الحقول المزروعة بالقهوة والمزودة بأنظمة ري، ويتوقع أن تنتج حتى 80 كيسًا من القهوة لكل هكتار، أي ضعف المتوسط الوطني. وبحسب أسعار السوق الحالية، فإن قيمة حصاد المزرعة الأخير قد تصل إلى نحو 17 مليون دولار، بحسب رويترز.
وأكد برونداني في تصريحه لـرويترز أن الري هو العامل الأساسي الذي مكّن مزرعته من مقاومة الظروف المناخية المتغيرة في البرازيل. وتعكس تصريحاته التحول الكبير في القطاع، حيث يتخلى العديد من المزارعين عن الزراعة المعتمدة على الأمطار ويتجهون نحو استثمارات ضخمة في البنية التحتية المائية لضمان استقرار الإنتاج.
فجوة في الإمدادات وارتفاع قياسي في الأسعار
تمثل البرازيل نحو 35% من استهلاك القهوة العالمي، لكن فترات الجفاف المتكررة وتراجع الإنتاج أدت إلى عجز متزايد في الإمدادات. وأفاد تقرير رويترز بأن عام 2025 سيكون على الأرجح رابع عام خلال السنوات الست الأخيرة يشهد فيه الاستهلاك العالمي تفوقًا على الإنتاج.
وبحسب بيانات المنظمة الدولية للقهوة (ICO)، بلغ العجز التراكمي منذ عام 2022 نحو 12.5 مليون كيس قهوة، وهو ما يعادل نحو 7% من الإمدادات السنوية العالمية.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار البن. ووفقًا لـرويترز، ارتفعت أسعار عقود قهوة أرابيكا بنسبة 70% خلال عام 2024، تلتها زيادة بنسبة 25% إضافية حتى الآن في عام 2025، ليصل السعر إلى 4.40 دولارات للرطل في شهر فبراير، وهو أعلى مستوى تاريخي. ونتيجة لذلك، رفعت شركات مثل “ستاربكس” و”نسبريسو” و”JDE Peet” أسعارها للمستهلكين، ويتوقع المحللون زيادات إضافية قريبة.
المياه: الفارق الحاسم في مستقبل الزراعة
بينما تتمتع ولاية باهيا بمصادر مياه جوفية وفيرة، بفضل وجود حوض “أوروكويّا” الذي لا يبعد سوى 20 مترًا عن سطح الأرض، يواجه المزارعون في ولاية ميناس جيرايس صعوبات متزايدة بسبب الانخفاض الحاد في منسوب المياه الجوفية.
وأشار التقرير إلى أن بعض المزارعين في ميناس جيرايس يضطرون لحفر آبار يصل عمقها إلى 300 متر للوصول إلى المياه، وهي عملية باهظة التكاليف وقد تكون غير فعالة. وقد فرضت بعض البلديات في الولاية قيودًا على استخدام الري في عام 2024.
وصرّح المزارع ماريو ألفارينغا لـرويترز قائلاً: “لدي نظام ري، لكن لم تكن هناك مياه لاستخدامه”. وفي السياق ذاته، أفادت مؤسسة “فنداساو بروكافيه” للأبحاث الزراعية أن التربة في جنوب ميناس جيرايس سجلت عجزًا في الرطوبة بلغ 300 ملم في أكتوبر 2024، وهو أعلى بكثير من المعدل الطبيعي.
استثمارات ضخمة وتحديات التمويل
بحسب تقرير رويترز، تبلغ تكلفة نظام الري المحوري الواحد نحو 1.5 مليون ريال برازيلي (ما يعادل حوالي 263 ألف دولار)، بينما تبلغ تكلفة نظام التنقيط حوالي 40 ألف ريال للهكتار (حوالي 7 آلاف دولار)، وهي استثمارات باهظة بالنسبة للمزارعين الصغار والمتوسطين.
ولتخفيف هذا العبء، أطلقت تعاونية “كوكسوبي”، وهي أكبر تعاونية قهوة في العالم، شراكة مع شركة “نيتافيم” الإسرائيلية لتوفير أنظمة تنقيط يمكن للمزارعين سداد قيمتها من خلال تسليم أكياس القهوة.
ويتوقع رئيس التعاونية، كارلوس أوغوستو رودريغيس دي ميلو، أن تتضاعف نسبة الأراضي المروية في غضون ثلاث إلى خمس سنوات. كما أشار خبراء زراعيون إلى أهمية اعتماد ممارسات الزراعة التجديدية وتحسين خصوبة التربة وزراعة أصناف جديدة مقاومة للجفاف.
مخاوف بيئية ونداءات للتنظيم
رغم الدور الحاسم للري في استقرار الإنتاج، إلا أن التوسع الكبير في استخدام المياه يثير مخاوف بيئية. وكشف تقرير رويترز عن دراسة أعدّتها منظمة “إيماتيرا” بالتعاون مع جامعة باهيا الفيدرالية، تُحذر من “الاستغلال المفرط” للموارد المائية في المنطقة.
وأفادت الدراسة بأن الاستهلاك الزراعي للمياه في باهيا يبلغ نحو 17 مليار لتر يوميًا، وهو ما يكفي لتزويد تسعة أضعاف عدد سكان مدينة ساو باولو. كما أشار التقرير إلى أن حوض “أوروكويّا” فقد حوالي 31 كيلومترًا مكعبًا من المياه بين عامي 2002 و2021، بسبب الاستهلاك الزراعي المكثف.
ودعا خبراء من الهيئة الجيولوجية البرازيلية إلى تعزيز أدوات المراقبة المائية وتحديث آليات منح التراخيص لضمان الاستخدام المستدام للمياه في المناطق الزراعية.
خلاصة
يرسم تقرير رويترز صورة واضحة لتحوّل بنيوي تشهده زراعة القهوة في البرازيل. فبينما تزدهر المزارع الضخمة المجهزة بأنظمة الري في مناطق مثل باهيا، يواجه المزارعون في المناطق التقليدية تحديات متزايدة. ومع استمرار ارتفاع الطلب العالمي، سيبقى توفر المياه وتنظيم استخدامها عاملين حاسمين في تحديد مستقبل القهوة البرازيلية.