A steaming brown cup of coffee sits on a saucer beside a cold blue energy drink can covered with water droplets, highlighting the contrast between warmth and calmness versus artificial chill and stimulation.

دراسة عالمية: القهوة تخفض الأفكار الانتحارية ومشروبات الطاقة تضاعفها

دبي، 17 سبتمبر 2025 (قهوة ورلد) – بينما اعتاد العالم النظر إلى الكافيين باعتباره محفزاً للطاقة والانتباه، تكشف دراسة جديدة عن جانب أكثر تعقيداً يتعلق بتأثيره على الصحة النفسية. فقد أظهرت مراجعة منهجية وتحليل تلوي واسع النطاق، أجرته الجامعة الوطنية في سنغافورة ونُشر في مجلة Nutrients، أن القهوة قد تلعب دوراً وقائياً ضد الأفكار والسلوكيات الانتحارية، في حين ترتبط مشروبات الطاقة بزيادة واضحة لهذه المخاطر حتى عند استهلاكها بمستويات منخفضة.

تحليل ضخم لأكثر من 1.5 مليون شخص

الدراسة، التي تعد الأولى من نوعها عالمياً، حللت بيانات 17 دراسة من 11 دولة شملت أكثر من 1.57 مليون مشارك. واستهدفت البحث في العلاقة بين استهلاك الكافيين – عبر مصادره المختلفة مثل القهوة والشاي ومشروبات الطاقة – وبين محاولات الانتحار والأفكار الانتحارية.

وخلص الباحثون إلى نتائج لافتة:

مشروبات الطاقة: عبوة واحدة فقط في الشهر تكفي لزيادة خطر الأفكار الانتحارية، بينما يؤدي الاستهلاك المرتفع (21–30 عبوة شهرياً) إلى مضاعفة هذا الخطر ليصل إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بغير المستهلكين.

القهوة: استهلاك أكثر من 60 فنجاناً شهرياً ارتبط بانخفاض خطر محاولات الانتحار. حيث تراجع الخطر بنسبة 49% عند من يشربون 61–90 فنجاناً، وبنسبة 43% لدى من يستهلكون 91–120 فنجاناً.

القهوة ودورها في استقرار المزاج

يفسر العلماء هذا التأثير بأن الكافيين في القهوة يعمل على تعطيل مستقبلات الأدينوزين في الدماغ، مما يعزز إفراز الناقلات العصبية مثل الدوبامين والغلوتامات. هذه المواد تلعب دوراً أساسياً في تحسين المزاج وتقليل التعب وتعزيز الانتباه، ما قد يسهم في تخفيف المشاعر السلبية وتقوية الاستقرار النفسي.

كما دعمت النتائج دراسات سابقة، منها تحليل تلوي عام 2016 أظهر أن كل فنجان إضافي من القهوة يومياً يقلل من خطر الاكتئاب بنسبة 8%.

مشروبات الطاقة: مزيج محفوف بالمخاطر

أما مشروبات الطاقة، فترى الدراسة أنها تتجاوز في خطورتها مجرد احتوائها على الكافيين، إذ تدمج نسباً مرتفعة من السكر مع منشطات أخرى، ما يثقل الجهاز العصبي ويؤدي إلى اضطرابات في النوم والعاطفة ويزيد من معدلات القلق.

ويحذر الباحثون من خطورة انتشار هذه المشروبات بين المراهقين والشباب، حيث تشير دراسات عديدة إلى ارتباطها بضعف الأداء الدراسي وزيادة السلوكيات الخطرة.

عوامل الجنس ونمط الحياة

كشفت الدراسة أيضاً أن الذكور يستهلكون مشروبات الطاقة بكميات أكبر مقارنة بالإناث، ما انعكس في ارتفاع معدلات السلوكيات الانتحارية بينهم. ويرتبط ذلك بسمات اجتماعية وسلوكية ونفسية تجعل الرجال أكثر ميلاً للمخاطرة وأقل ميلاً لطلب المساعدة.

إضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون أن استهلاك الكافيين غالباً ما يقترن باستخدام مواد أخرى مثل الكحول والتبغ، وهو ما يزيد من تعقيد الصورة ويؤكد أن الأمر يرتبط بأنماط حياتية متشابكة لا بمشروب واحد فقط.

أبعاد عالمية للصحة العامة

رغم أن الباحثين شددوا على أن النتائج لا تعني وجود علاقة سببية مباشرة، إلا أن حجم العينة وقوة الأدلة تجعل من الصعب تجاهلها. ومع تسجيل منظمة الصحة العالمية لأكثر من 700 ألف حالة انتحار سنوياً، يصبح البحث عن عوامل وقائية أو محفزة مسألة بالغة الأهمية.

الدراسة تفتح الباب أمام سياسات عامة أكثر وضوحاً:

تشديد الرقابة على تسويق مشروبات الطاقة للفئات الشابة.

تعزيز التوعية بأضرار الاستهلاك المفرط لهذه المنتجات.

تشجيع الأبحاث حول فوائد القهوة ودورها المحتمل في دعم الصحة النفسية.

من إرث القهوة إلى تحديات العصر

القهوة التي انطلقت من اليمن في القرن الخامس عشر لتغزو العالم، لطالما ارتبطت بالصحوة الروحية والفكرية والثقافية. واليوم، تضيف هذه الدراسة بُعداً جديداً إلى إرثها: دور محتمل في تعزيز الصحة النفسية ومواجهة أخطر الاضطرابات.

أما مشروبات الطاقة، فهي نتاج العصر الحديث، تأسست على حملات تسويقية مكثفة ووعود بأداء فوري، لكنها قد تترك وراءها آثاراً نفسية عميقة وخطيرة.

الخلاصة

تؤكد هذه النتائج أن الكافيين ليس واحداً في تأثيره، بل يختلف جذرياً باختلاف مصدره. فالقهوة قد تكون جزءاً من الحل في تعزيز الصحة النفسية، بينما تمثل مشروبات الطاقة تحدياً يتطلب مواجهة وتدخلاً عاجلاً من الصحة العامة والمجتمع على حد سواء.

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon