A white ceramic cup filled with steaming black coffee, placed on a saucer surrounded by scattered roasted coffee beans on a warm beige background.

3 إلى 5 فناجين قهوة يومياً تطيل العمر وتقلل الأمراض

دبي، 27 أغسطس 2025 (قهوة ورلد) – لقرون طويلة، لم تكن القهوة مجرد مشروب، بل كانت طقساً اجتماعياً، ورابطة ثقافية، ورفيقاً يومياً للمليارات حول العالم. واليوم، يؤكد العلم من جديد أن هذه الحبوب السحرية ليست مجرد جزء من التراث الإنساني، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصحة وطول العمر. دراسة شاملة نُشرت هذا الشهر في مجلة Nutrients تكشف أن استهلاك القهوة باعتدال، بمعدل يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة فناجين يومياً، يرتبط بانخفاض واضح في مخاطر الوفاة وعدد من أبرز الأمراض المزمنة.

الدراسة التي أعدّها رايان إمادي والدكتور فارين كمانغار، اعتمدت على مراجعة عقود من الأبحاث واسعة النطاق التي شملت ملايين المشاركين في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وخلصت النتائج إلى أن الأشخاص الذين يشربون القهوة بانتظام تقل لديهم مخاطر الوفاة العامة بنسبة تتراوح بين 10% و15% مقارنة بغيرهم. ولا يقتصر الأمر على القهوة المحتوية على الكافيين، إذ إن القهوة الخالية من الكافيين أيضاً أظهرت فوائد مشابهة، مما يشير إلى أن التأثيرات الإيجابية تعود إلى مركبات بيولوجية متعددة موجودة في القهوة، وليس الكافيين وحده.

الدلائل كانت قوية بشكل خاص فيما يتعلق بالأمراض المزمنة الكبرى. فبالنسبة لصحة القلب والأوعية الدموية، أظهرت النتائج أن من يتناولون ثلاثة إلى خمسة فناجين يومياً انخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات بنسبة تصل إلى 15%. أما داء السكري من النوع الثاني، الذي يعد من أكبر التحديات الصحية في العالم، فكان له ارتباط وثيق بعادات شرب القهوة. حيث أظهرت تحاليل شملت أكثر من مليون شخص أن شرب القهوة يقلل خطر الإصابة بالسكري بنسبة تقارب 30%، مع ملاحظة أن هذا التأثير ينطبق على القهوة العادية والخالية من الكافيين على حد سواء. وحتى بين المصابين بالسكري، ارتبط شرب القهوة بتراجع خطر الإصابة بمضاعفات القلب وانخفاض معدلات الوفاة.

كما امتدت الفوائد إلى صحة الدماغ والجهاز العصبي. فقد تبين أن شاربي القهوة بانتظام تقل لديهم بنسبة 25% مخاطر الإصابة باضطرابات معرفية مثل الخرف والزهايمر. كما أن تناول القهوة والكافيين ارتبط بانخفاض خطر الإصابة بمرض باركنسون وبإبطاء تقدمه عند المرضى المصابين به بالفعل. وفيما يتعلق بأمراض الجهاز التنفسي، أظهرت البيانات علاقة عكسية بين استهلاك القهوة وهذه الأمراض. كما ارتبط شرب القهوة بتراجع في خطر الإصابة بأمراض الكبد المزمنة والفشل الكلوي الحاد والمزمن.

وبالنسبة للسرطان، الذي طالما ارتبط في الماضي بمخاوف من تأثيرات سلبية للقهوة، أظهرت الأبحاث الحديثة أن القهوة ليست مسرطنة، بل قد تساهم في تقليل خطر بعض الأنواع مثل سرطان الكبد وسرطان الرحم وبطانة الرحم. إحدى الدراسات الواسعة شملت 19 بحثاً أظهرت أن النساء اللواتي يشربن القهوة بانتظام انخفض لديهن خطر الإصابة بسرطان بطانة الرحم بنسبة 13%، وكانت العلاقة مرتبطة بالجرعة؛ فكلما زاد استهلاك القهوة، قلّ الخطر.

تأثير القهوة لا يقتصر على الأمراض فحسب، بل يمتد ليشمل السلامة والصحة اليومية. فقد أشارت دراسات إلى أن السائقين الذين تناولوا القهوة كانوا أقل عرضة لحوادث السير، كما أن كبار السن الذين يشربون القهوة بانتظام كانوا أقل عرضة للسقوط. ويرجع الباحثون ذلك إلى تأثير القهوة على تعزيز الانتباه واليقظة وتحسين الحركة.

ويرى العلماء أن هذه الفوائد تعود إلى آليات بيولوجية متشابكة، منها تحسين التوازن في مستوى الجلوكوز، وزيادة النشاط البدني اليومي، وتعزيز عملية حرق الدهون أثناء التمارين، وتحسين وظائف الرئة، وتقليل الالتهابات. إحدى التجارب أظهرت أن الأشخاص الذين شربوا القهوة التي تحتوي على الكافيين مشوا في المتوسط ألف خطوة إضافية يومياً مقارنة بالأيام التي لم يتناولوا فيها القهوة.

ومع ذلك، ليست كل طرق شرب القهوة متساوية في الفائدة. فقد شدد الباحثون على أن القهوة السوداء هي الأكثر نفعاً. أما إضافة السكر فقد تلغي بعض هذه الفوائد أو تحد منها. بعض الدراسات ربطت القهوة المحلاة بزيادة مخاطر الاكتئاب وزيادة الوزن، بينما أظهرت القهوة غير المحلاة تأثيرات وقائية. إضافة الحليب أو الكريمة لم تكن بنفس الضرر، لكن الاستهلاك المفرط للسكر أو الدهون يقلل من التأثيرات الإيجابية.

وهناك بعض المحاذير. فخلال الحمل يُنصح بعدم تجاوز 200 ملغ يومياً من الكافيين، إذ قد يشكل ذلك خطراً. كما أن شرب القهوة في أوقات متأخرة قد يؤثر على النوم ويقلل مدته بما يصل إلى 45 دقيقة. الإفراط في تناولها قد يثير القلق أو يزيد من خفقان القلب لدى الأشخاص الحساسين. ومع ذلك، أكّد الباحثون أن الغالبية العظمى من البالغين يمكنهم الاستفادة من القهوة عند استهلاكها باعتدال.

الدكتور فارين كمانغار لخّص نتائج الدراسة بقوله: “إن عقوداً من الأبحاث عالية الجودة التي شملت ملايين البشر تؤكد أن القهوة مفيدة للصحة بشكل عام. الاستهلاك المعتدل، أي ثلاثة إلى خمسة فناجين يومياً، يرتبط بزيادة العمر وانخفاض مخاطر العديد من الأمراض الكبرى بما في ذلك أمراض القلب والسكتة والسكري من النوع الثاني وأمراض الجهاز التنفسي والتدهور المعرفي.”

وقد بدأت هذه النتائج تنعكس بالفعل في التوجهات الرسمية، حيث صرحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مؤخراً بأن القهوة السوداء التي تحتوي على أقل من خمس سعرات حرارية تُعتبر “طعاماً صحياً”، وهو ما يعكس مكانتها المتزايدة كخيار مفيد للصحة العامة.

في النهاية، القهوة ليست علاجاً سحرياً، لكنها باتت اليوم أكثر من مجرد مشروب يومي. فالملايين الذين يبدؤون يومهم بفنجان قهوة يمكنهم أن يجدوا في هذه الأبحاث طمأنة إضافية: أن هذا الطقس اليومي ربما يضيف سنوات إلى أعمارهم.

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon