A burlap sack tipped over with roasted coffee beans spilling out onto a textured beige fabric surface, highlighting the rich brown tones and glossy details of the beans.

دراسة جديدة تكشف أسرار شبكة أسعار القهوة.. ما علاقة الجودة وأمريكا؟

دبي – 25 أغسطس 2025 (قهوة ورلد) – أظهرت دراسة أكاديمية حديثة بعنوان اختلافات الجودة والموقع وشبكات عوائد أسعار القهوة: رؤى من تحليل كوفار-كوبولا (CoVaR-copula) عالي الأبعاد أن أسواق القهوة العالمية أكثر ترابطًا وتشابكًا مما هو شائع، وأن لعامل الجودة والموقع الجغرافي تأثيرًا مباشرًا في انتقال المخاطر بين الأسواق.

قام الباحثون بتحليل بيانات يومية لأسعار 17 صنفًا من القهوة على مدى عشرين عامًا، في ثلاث من أكبر الأسواق العالمية: الولايات المتحدة، ألمانيا، وفرنسا. وقد استندت البيانات إلى المنظمة الدولية للقهوة (ICO)، لكن بدلًا من الاعتماد على المؤشرات المجمّعة، لجأ الفريق إلى تفكيكها على مستوى كل صنف على حدة، ما أتاح رؤية أكثر دقة للتقلبات السعرية وأنماط الترابط بين الأسواق.

تشير النتائج إلى أن القهوة عالية الجودة، مثل أصناف الأرابيكا الناعمة، تُظهر روابط أقوى وأكثر استقرارًا داخل الأسواق، في حين أن الروبوستا – التي تُعتبر أقل جودة – بدت أكثر تقلبًا وتباينًا في تحركات أسعارها. كما تبين أن المخاطر تميل إلى الانتقال بشكل أوضح بين الأصناف المتشابهة في الجودة، مما يؤدي إلى تكوين ما يشبه العناقيد السعرية.

وتبرز الولايات المتحدة في الدراسة بوصفها عقدة مركزية في شبكة المخاطر، فهي أكبر مستورد للقهوة عالميًا، وتستقبل التأثيرات القادمة من السوقين الألماني والفرنسي. هذا الموقع المحوري يجعلها ساحة رئيسية لأي اضطراب سعري، حيث تنعكس التغيرات الأوروبية بسرعة على السوق الأمريكي، ومنه إلى بقية الأسواق العالمية.

ومن الناحية المنهجية، اعتمد الباحثون على أسلوب كوفار-كوبولا (CoVaR-copula) عالي الأبعاد، وهو نهج إحصائي متقدم يُستخدم لقياس الارتباطات عند الحركات المتطرفة للأسعار، بدلًا من التركيز على الاتجاهات العامة أو العلاقات طويلة الأمد فقط. كما استعانوا بنماذج في-إي-آر (VAR models) عالية الأبعاد مدعومة بتقنية إلاستيك-نت (Elastic-Net)، التي تساعد على معالجة مشكلة ما يُعرف بـ“لعنة الأبعاد” الناتجة عن كثرة المتغيرات، وتمنع المبالغة في تقدير الروابط بين الأسعار. هذه الأدوات مكّنت الفريق من الحصول على صورة أوضح وأكثر دقة لشبكات انتقال المخاطر.

وإلى جانب التحليل الإحصائي، أدخل الباحثون بُعدًا إضافيًا يتعلق بالتركيب الكيميائي للقهوة. فقد اعتمدوا على دراسات سابقة حددت المركبات الكيميائية المميزة لكل صنف، واستخدموا هذه البيانات لترتيب الأصناف بحسب خصائصها الكيميائية ومواقع تداولها. وبفضل هذا الدمج، تمكنوا من إنشاء خرائط حرارية وشبكات ترابط تُظهر بوضوح كيف تؤثر الجودة والموقع معًا في ديناميكيات الأسعار.

وتوضح الدراسة أن القرب الجغرافي بين الأسواق يسهل انتقال المعلومات والتأثيرات السعرية بسرعة، بينما يؤدي الاختلاف في التركيب الكيميائي والخصائص الحسية إلى فصل واضح بين المجموعات. وهذا يعني أن حركة أسعار القهوة عالميًا ليست مجرد انعكاس مباشر للعرض والطلب، بل نتاج شبكة معقدة من العوامل تشمل الجودة، الطعم، والموقع الجغرافي.

ورغم أن الباحثين لم يتمكنوا من تحليل عقود القهوة المستقبلية لكل صنف بسبب قيود البيانات، فإن النتائج التي توصلوا إليها تقدم خريطة غنية لفهم كيفية تشكل الروابط بين الأسواق، وتفتح المجال أمام أبحاث إضافية أكثر تفصيلًا.

أهمية هذه النتائج تكمن في أنها تقدم أدوات عملية لصانعي السياسات والمنتجين والمستوردين. فهي تبيّن أن مراقبة الأسعار من خلال المؤشرات العامة وحدها لم تعد كافية، وأنه لا بد من النظر بعناية إلى اختلافات الجودة والموقع الجغرافي لفهم المخاطر الحقيقية. وفي ظل ما يواجهه قطاع القهوة من تحديات مثل التغير المناخي، واضطراب سلاسل التوريد، والقوانين الأوروبية المتعلقة بإزالة الغابات، فإن هذا النوع من الدراسات يمثل خطوة أساسية في إدارة المخاطر والتخطيط للمستقبل.

وفي الختام، تضع الدراسة القهوة في قلب شبكة اقتصادية عالمية شديدة الحساسية، حيث تتحكم الجودة والموقع في انتقال المخاطر، وتظل الولايات المتحدة المحور الرئيسي الذي تتقاطع عنده هذه التأثيرات. إنها صورة تُبرز كيف يمكن لحبوب صغيرة أن تعكس تفاعلات معقدة تتجاوز حدود الزراعة لتصل إلى الاقتصاد الكلي والعلاقات التجارية الدولية.

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon