لماذا ترتفع أسعار القهوة عالميًا.. وما الذي ينتظر المستهلكين؟
دبي، 4 سبتمبر 2025 (قهوة ورلد) – يشهد العالم في الفترة الأخيرة موجة غير مسبوقة من ارتفاع أسعار القهوة، الأمر الذي أثار قلق المستهلكين، والمزارعين، والمستثمرين على حد سواء. ففي الولايات المتحدة، سجّلت أسعار القهوة المحمصة المطحونة خلال شهر يوليو الماضي 8.41 دولار للرطل، وهو مستوى قياسي يمثل زيادة بنسبة 33% عن العام السابق، وفق بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي. ولم تتوقف الزيادة عند هذا الحد، إذ تشير البيانات إلى أن أسعار القهوة بمختلف أنواعها – بما في ذلك الفورية والمحمصة – ارتفعت بنسبة 14.5% على أساس سنوي في يوليو، لتصبح ثاني أعلى معدل تضخم بين جميع السلع المدرجة في مؤشر أسعار المستهلك بعد البيض.
هذا الارتفاع اللافت في الأسعار يعكس تضافر عدة عوامل رئيسية، أبرزها تقلبات الطقس في البلدان المنتجة، وتراجع المخزونات العالمية، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية للرسوم الجمركية المفروضة على الواردات من البرازيل، وهي أكبر دولة مصدّرة للقهوة في العالم.
الطقس وتأثيره
القهوة من أكثر المحاصيل حساسية للتغيرات المناخية. ويشير خبراء الزراعة إلى أن أي خلل في أنماط الطقس يمكن أن ينعكس مباشرة على حجم الإنتاج وجودته.
في البرازيل، التي تؤمن نحو 40% من الإنتاج العالمي، تعرّض المزارعون لموجة جفاف قاسية خلال الموسم الماضي، تلتها أمطار غزيرة ألحقت أضراراً واسعة بالمزارع. هذا النمط المتقلب من الظروف الجوية، والذي يُطلق عليه العلماء “تأرجح الهطول”، يؤدي إلى إضعاف أشجار القهوة، فتارة تعاني من نقص المياه، ثم فجأة تتعرض لفيضانات تؤثر على ثمار البن وجودتها.
أما في فيتنام، ثاني أكبر منتج للقهوة عالميًا، فقد كان الوضع مشابهاً. إذ تراجع الإنتاج بنسبة 20% في عام 2024 بسبب الجفاف الحاد، قبل أن تزيد العواصف المطرية الطين بلة. ووفقاً لمايك هوفمان، أستاذ فخري بجامعة كورنيل، فإن هذا النوع من الظواهر المناخية بات يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار إمدادات القهوة عالميًا:
“إن القهوة شديدة الحساسية لبيئتها. الجفاف يضعف النباتات، ثم تأتي كميات مياه مفرطة فتؤثر مباشرة في المحصول والنوعية.”
الرسوم الجمركية
إلى جانب التحديات الطبيعية، هناك ضغوط سياسية وتجارية تزيد من تعقيد المشهد. فقد فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 50% على واردات القهوة البرازيلية، ما يهدد بإبقاء الأسعار عند مستويات مرتفعة.
تقرير منظمة القهوة الدولية حول سوق القهوة خلال شهر أغسطس الماضي، أشار إلى أن هذه الرسوم ستفرض “ضغوطاً تصاعدية” على الأسعار العالمية، خصوصاً في الأسواق المستوردة الكبرى مثل الولايات المتحدة التي تعتمد بنسبة 32% من وارداتها على القهوة البرازيلية.
مع ذلك، يتوقع محللون أن تأثير الرسوم على المستهلكين قد يكون محدودًا في بعض الحالات. فشركات كبرى مثل “ستاربكس” قادرة على امتصاص جزء من التكاليف الإضافية بفضل حجمها الكبير. وتشير تقديرات إلى أن الشركة قد ترفع أسعار منتجاتها بنسبة لا تتجاوز 0.5% لتعويض تكاليف الرسوم.
المخزونات
خلال السنوات الماضية، فضلت شركات التحميص الكبرى الاعتماد على مخزوناتها بدلاً من شراء البن بأسعار مرتفعة من الأسواق. لكن هذه الاستراتيجية أدت إلى انخفاض المخزونات العالمية إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعل السوق أكثر عرضة للصدمات.
ووفقاً لتقرير شركة برنشتاين للأبحاث، فإن انخفاض المخزونات إلى ما دون المتوسط التاريخي يضاعف من تقلبات الأسعار، إذ لا تستطيع الأسواق مواجهة أي نقص مفاجئ في الإمدادات أو زيادة في الطلب. ويعني ذلك أن أي أزمة مناخية جديدة أو اضطراب في سلاسل التوريد قد يؤدي إلى قفزات سعرية حادة.
الأسعار والاستهلاك
تأثير ارتفاع الأسعار يختلف على المستهلكين بحسب طريقة استهلاكهم للقهوة. فالأسر التي تشتري القهوة من المتاجر لتحضيرها في المنزل تتأثر بشكل مباشر بارتفاع أسعار السلع الأساسية، حيث تعكس الأسعار في المتاجر تقلبات السوق بسرعة أكبر.
أما المستهلكون الذين يعتمدون على المقاهي أو المطاعم، فإنهم قد يشعرون بارتفاع الأسعار بشكل أبطأ، إذ تميل سلاسل القهوة الكبرى إلى امتصاص جزء من التكاليف، أو تعويضها بطرق غير مباشرة مثل تعديل حجم الحصة أو استخدام استراتيجيات تسويقية مختلفة.
التوقعات
رغم الأوضاع الصعبة، هناك مؤشرات تدعو إلى بعض التفاؤل. فالمحللون يرون أن الأسعار قد تشهد بعض الانخفاض على المدى القصير إذا تحسنت الأحوال الجوية واستثمر المنتجون في تحسين الإنتاجية. كما أن التوسع في مشاريع الزراعة المستدامة واستخدام التكنولوجيا قد يساعد على زيادة الكفاءة وتخفيف الضغط على الأسواق.
لكن الصورة على المدى البعيد تبدو أكثر قتامة. إذ يتفق الخبراء على أن التغير المناخي سيظل عاملاً حاسماً في استمرار ارتفاع الأسعار، ليس للقهوة فقط، بل لمعظم السلع الغذائية.
ويقول هوفمان: “في اعتقادي ستواصل الأسعار الصعود. فالتغير المناخي لن يختفي. موجات الجفاف والفيضانات ستزداد حدة، وهذا لا يقتصر على القهوة وحدها بل يشمل منظومة الغذاء بأكملها.”
المستقبل
تشير التوقعات إلى أن سوق القهوة العالمي سيتسم بمزيد من التقلبات خلال السنوات المقبلة. فبينما يواصل الاستهلاك العالمي نموه بوتيرة متصاعدة، تواجه الدول المنتجة تحديات معقدة تتعلق بالمناخ، والاقتصاد، والسياسة.
هذا يعني أن المستهلكين يجب أن يستعدوا لأسعار أعلى من المتوسط التاريخي، وربما لفترات طويلة من عدم الاستقرار. وفي المقابل، قد يجد المزارعون والمنتجون فرصًا جديدة في الاستثمار بالتكنولوجيا الحديثة والابتكار في طرق الزراعة والمعالجة لمواجهة هذه التحديات.