دبي – قهوة ورلد
تلقيت دعوة من الصديق كوبي تولينتينو لحضور جلسة تذوّق قهوة غير عادية، فقد أشار في دعوته إلى أنها جلسة “تذوّق قهوة بالألوان”، وهو أمر أسمع به لأول مرة. وعند وصولي إلى مقر الحدث في سكاراب كافيه بمنطقة القصيص في دبي، اتضح أنني أمام تجربة جديدة تماماً ونمط حديث من التعامل مع القهوة، ابتكرته هذه الشركة الناشئة لتعريف الجمهور بالقهوة وتبسيط عملية اختيارها من خلال الألوان.
بدأت الفعالية بكلمة ترحيبية ألقاها السيد وليد إبراهيم، المدير العام للشركة، تحدث فيها عن خلفيته التقنية وبداياته في عالم القهوة، وعن أول مشاريعه التجارية الذي انطلق من داخل العائلة حين أقنعهم بشراء جهازه الشخصي. في ذلك الوقت، كان ثمن الحاسوب يعادل ثمن سيارة صغيرة مثل فيات، فكانت خطوة كبيرة واستثمارًا مهمًا بالنسبة لهم.
وقال حينها: شعرت أنني قادر على الإنجاز، فبدأت من تلك اللحظة. عملت لبعض الوقت كرائد أعمال في مجال التقنية، ولم تكن القهوة هي النشاط الأساسي الذي كنت أتطلع إليه. لكن قبل خمسة عشر عامًا، بدأ شغفي بالقهوة يتشكل تدريجيًا حتى شعرت أن بإمكاني أن أفعل شيئًا حقيقيًا في هذا المجال، وإن لم أكن أدرك ماهيته بدقة.
وأضاف: منذ نحو ثمانية عشر شهرًا، أيقنت أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات جريئة، فقررت أن أجعل مشروع «إسكارا» واقعًا ملموسًا لا مجرد فكرة على الورق. من هنا بدأت الرحلة بمحاولات أولية لاكتشاف ما يمكننا تقديمه، وبحثنا عمّا يميزنا في السوق، إذ لم نرغب أن نكون مجرد محمصة أو مقهى عادي.
وتابع: في الحقيقة، انطلقت البداية من مرآبي مع الفريق، مثل أي شركة ناشئة، حيث جربنا وذقنا ما يمكن أن نصنعه. استثمرنا في أنفسنا كثيرًا، واشترينا القهوة والماكينات بأنفسنا. حتى الماكينة الكبيرة الخاصة بالمحمصة استغرق تصنيعها بين تسعة وأحد عشر شهرًا قبل أن تصل إلينا. احتاج الأمر وقتًا وجهدًا، لكننا جمعنا كل شيء وأحضرناه هنا.
وختم بالقول: ما نريد تقديمه ليس مجرد قهوة، بل تجربة مختلفة تمامًا. نركز على تغيير تجربة العميل مع القهوة، وكل شيء نقوم به يتمحور حوله. نحن نضع الزبون في صميم عملنا، ونهتم به بنسبة 100%.
بعد ذلك اصطحبنا الصديق كوبي تولينتينو في محاضرة ممتعة، تلاها تطبيق عملي من خلال جلسة تذوّق بالألوان، حيث أصبحنا نربط بين الألوان والنكهات، ونكتشف كيف يمكن أن تفتح الألوان مدخلاً جديداً للتذوق الحسي وفهماً أعمق لعالم القهوة. كانت التجربة مثيرة للاهتمام بحق، وأظهرت كيف يمكن للابتكار أن يضيف بعداً جديداً إلى ثقافة القهوة في دبي والمنطقة.
وقال كوبي تولينتينو خلال المحاضرة: “الألوان ليست بديلاً عن المعايير المعتمدة في التذوق، لكنها مدخل بسيط وودود يساعد الناس على التعبير عمّا يتذوقونه بسهولة أكبر.”
خلفية عن المشروع
فكرة “القهوة بالألوان” تقوم على دمج التقييم الحسي التقليدي مع لغة الألوان لخلق تجربة أكثر قرباً وسهولة للجمهور. وقد أظهرت الدراسات التي أجرتها سكاراب أن اللون البني يهيمن على معظم جلسات التذوق، حيث يرتبط بالنكهات الأساسية كالمحمص والجوز والكاكاو. في المقابل، برز اللون الأصفر كمعبر عن الحموضة المشرقة في بعض أنواع القهوة القادمة من هندوراس وكوستاريكا، بينما ارتبط اللون الوردي بالنكهات الدقيقة الزهرية والفاكهية في بعض أصناف الغيشا الكولومبية.
أما الألوان “الغريبة” مثل الأزرق والبنفسجي فقد ظهرت في التذوق كدلالات على نكهات استثنائية كالنضارة والفاكهة الداكنة، لكنها لم تكن مهيمنة على انطباعات المشاركين. ومن خلال هذا الربط، تسعى سكاراب إلى جعل التقييم أكثر حدسية وشمولية ودقة، مع الحفاظ على المعايير المهنية في عالم القهوة المختصة.
دبي وفضاء الابتكار في القهوة
لا تأتي هذه التجربة بمعزل عن المشهد الأوسع، إذ باتت دبي مركزاً لفعاليات القهوة المختصة في المنطقة، من مسابقات وبطولات إلى ابتكارات وأساليب جديدة في التذوق. وتشكل مبادرة “القهوة بالألوان” إضافة نوعية تؤكد أن المدينة لم تعد فقط ملتقى لعشاق القهوة، بل مختبراً حقيقياً للأفكار المبتكرة التي قد تعيد صياغة مستقبل هذه الصناعة.