تراجع إنتاج القهوة في كولومبيا بنسبة 5.3% خلال 2025/2026 بسبب الأمطار الغزيرة والأسعار القياسية
تتوقع كولومبيا انخفاضًا بنسبة 5.3% في إنتاج القهوة خلال موسم 2025/2026 بسبب الأمطار الغزيرة وارتفاع الأسعار، وسط تحديات في التصدير وتغطية الطلب المحلي.
تواجه كولومبيا، ثالث أكبر منتج للقهوة في العالم، انتكاسة واضحة في موسم 2025/2026، حيث يُتوقع أن يتراجع إنتاجها بنسبة 5.3% ليصل إلى 12.5 مليون كيس من وزن 60 كيلوغرامًا من البن الأخضر. هذا ما كشف عنه التقرير السنوي الصادر عن وزارة الزراعة الأمريكية في مايو 2025، مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي لهذا التراجع يعود إلى الأمطار الغزيرة التي أضرّت بمرحلة تزهير أشجار البن، إضافة إلى استمرار ارتفاع الأسعار داخليًا مما دفع المزارعين إلى تأجيل عمليات إعادة الزراعة والتجديد.
وكان الإنتاج قد شهد تعافيًا نسبيًا في الموسم السابق نتيجة ظاهرة “إل نينيو”، التي ساهمت في رفع درجات الحرارة وتحسين رطوبة التربة، ما عزز إنتاج الموسم ليصل إلى 13.2 مليون كيس. إلا أن بداية عام 2025 شهدت موجة من الأمطار الكثيفة تسببت في الإضرار بالتزهير، مما سيؤثر سلبًا على الحصاد المرتقب في النصف الأول من الموسم الجديد. وفي حين تشير التوقعات إلى تراجع ظاهرة “لا نينيا” وتحولها إلى ظروف مناخية محايدة بحلول نهاية عام 2025، إلا أن الأثر على الأشجار قد وقع بالفعل.
ورغم الارتفاع الكبير في أسعار القهوة محليًا، والتي بلغت 3.12 مليون بيزو للكيس الواحد بوزن 125 كيلوغرامًا في فبراير 2025، أي بزيادة تقارب 70% منذ بداية العام، إلا أن هذه الأسعار لم تكن محفزًا كافيًا للمزارعين لإعادة استثمار الأرباح في تجديد مزارعهم. ذلك لأن ارتفاع كلفة الإنتاج، الناتج عن زيادة الحد الأدنى للأجور ونقص الأيدي العاملة في المناطق الريفية، يحد من جدوى التوسّع أو إعادة التشجير.
في المقابل، يظل قطاع القهوة المتخصصة من أبرز نقاط القوة في الصناعة الكولومبية. ويقدّر أن حوالي 40% من الإنتاج الوطني مؤهل للحصول على شهادات الجودة المعترف بها مثل “تحالف الغابات المطيرة” و”التجارة العادلة” و”صديقة للطيور”، ما يسمح لصغار المزارعين – الذين ينتجون 60% من القهوة في مزارع تقل مساحتها عن 5 هكتارات – بالحصول على أسعار أعلى في الأسواق المتخصصة. كما أن نسبة 87% من المساحات المزروعة في كولومبيا تعتمد الآن على أصناف مقاومة للصدأ، مقارنة بنسبة 35% فقط في عام 2010. وقد بلغت الكثافة الزراعية مستوى قياسيًا بواقع 5340 شجرة في الهكتار الواحد، رغم أن الظروف المناخية الصعبة حدّت من تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الكثافة.
وفي نهاية عام 2024، أعلن مركز الأبحاث الزراعية “سينيكافيه” عن إطلاق صنف جديد من القهوة يُعرف باسم “كاستيو 2.0″، يتميز بقدرة أعلى على مقاومة الأمراض والتغيّرات المناخية، إلا أن البيانات حول تبني هذا الصنف ما تزال غير متوفرة حتى الآن.
تُظهر التوقعات أن صادرات القهوة الكولومبية ستتراجع إلى 11.8 مليون كيس في موسم 2025/2026، بانخفاض نسبته 4.1%، نتيجة انخفاض الإنتاج. وتبقى الولايات المتحدة السوق الأكبر للقهوة الكولومبية، حيث تستورد أكثر من 40% من الإنتاج، تليها دول الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان. والمثير للاهتمام أن الصادرات إلى الولايات المتحدة شهدت انتعاشًا بعد خمس سنوات من التراجع، على الرغم من فرض تعرفة جمركية بنسبة 10% بموجب قرار تنفيذي صدر في أبريل 2025. ولا يُتوقع أن يكون لهذا القرار أثر كبير على المبيعات نظرًا لأن معظم الدول المنافسة تواجه رسومًا مشابهة.
وفي خطوة استراتيجية لتوسيع الحضور في الأسواق، وقّعت شركة “بروكافيكول” المشغّلة لعلامة “خوان فالديز” شراكة مع شركة “غرين كوفي” بهدف توزيع منتجاتها المحمصة في المتاجر والأسواق المؤسسية في الولايات المتحدة وكندا.
أما على صعيد الاستهلاك المحلي، فتُظهر البيانات أنه سيبقى ثابتًا عند 2.2 مليون كيس حتى عام 2026. وعلى الرغم من توقعات نمو الاقتصاد بنسبة 2.6% خلال عام 2025، إلا أن الأسعار المرتفعة للقهوة لا تزال تشكل عائقًا أمام توسّع الاستهلاك، في وقت تفضّل فيه معظم العائلات أنواع القهوة القابلة للذوبان أو المخلوطة رخيصة الثمن. ويبلغ معدل استهلاك الفرد في كولومبيا نحو 3.08 كيلوغرام سنويًا، وهو رقم أقل بكثير من دول أخرى منتجة في المنطقة.
وفي إطار جهود تعزيز الطلب المحلي، تواصل “فيديكافي” حملتها الترويجية التي تحمل شعار “ابحث عن مثلث الجودة – قهوة كولومبيا”، والذي يرمز إلى القهوة الكولومبية الأصلية. ويُقدّر أن أكثر من 850 علامة تجارية مرخصة تستخدم هذا الشعار.
ولتغطية الطلب المحلي في ظل تراجع الإنتاج، من المتوقع أن ترتفع واردات القهوة بنسبة 34% لتصل إلى 1.5 مليون كيس في موسم 2025/2026. وتأتي هذه الواردات بشكل رئيسي من البرازيل وبيرو والإكوادور، وتُستخدم لتلبية احتياجات السوق من القهوة القابلة للذوبان والمنخفضة الجودة. وتشكل القهوة الخضراء نسبة 70.7% من إجمالي الواردات، تليها القهوة القابلة للذوبان بنسبة 28.5%، ثم القهوة المحمصة بنسبة ضئيلة.
الامتثال لقانون إزالة الغابات في أوروبا
يُعد الامتثال للوائح الأوروبية الجديدة بشأن المنتجات الخالية من إزالة الغابات من أبرز التحديات التي تواجهها كولومبيا في المرحلة المقبلة. وتستهدف هذه اللوائح صادرات القهوة إلى الاتحاد الأوروبي، التي تمثل أكثر من 20% من الإنتاج الكولومبي. وبحسب القانون، يجب على الشركات الكبرى الامتثال بحلول 30 ديسمبر 2025، في حين يُمنح المنتجون الصغار مهلة حتى 30 يونيو 2026. وقد بدأت “فيديكافي” بتدريب المزارعين على المتطلبات القانونية، وأطلقت منصة إلكترونية لرسم خرائط جغرافية للمزارع وتحديد إحداثياتها بدقة.
وفيما يتوقع أن تنخفض المخزونات إلى 458 ألف كيس، لم يتم تفعيل آلية دعم الدخل الجديدة “ميكيس 2024” حتى الآن، رغم أنها أُنشئت لحماية المزارعين في حال انخفضت الأسعار عن كلفة الإنتاج. ويبلغ رصيد صندوق استقرار الأسعار نحو 370 مليار بيزو (ما يعادل نحو 95 مليون دولار أمريكي).
رغم التحديات المناخية والضغوط الاقتصادية والتجارية، تبقى كولومبيا واحدة من أبرز الدول الرائدة في مجال القهوة المتخصصة. ومع أن الأسواق العالمية تفتح أبوابًا جديدة أمام المنتجين، فإن مستقبل القطاع سيعتمد على مدى قدرة المزارعين على التكيف مع التغيرات المناخية، واستيعاب المتطلبات التنظيمية الجديدة، والحفاظ على استدامة الإنتاج وجودته.