مركز دبي للقهوة يحذر: تقلبات المناخ تهدد مستقبل القهوة العالمية
دبي، 15 سبتمبر 2025 (قهوة ورلد) – القهوة ليست مجرد مشروب. إنها شريان حياة لأكثر من 25 مليون مزارع صغير، وصناعة تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار، وركيزة ثقافية يستهلك العالم يوميًا ما يزيد على ملياري كوب منها. ومع ذلك، يواجه قطاع القهوة العالمي اليوم أحد أعظم التحديات في تاريخه الطويل، بحسب ما جاء في تقرير مركز دبي للقهوة التابع لمركز دبي للسلع المتعددة.
في تقريره الحديث ضمن سلسلة “مستقبل التجارة الزراعية”، أصدر المركز تقريرًا خاصًا عن القهوة، حذّر فيه من أن الأراضي التي ازدهرت فيها القهوة على مدى قرون قد لا تعود صالحة للزراعة في العقود المقبلة.
وبحسب التقرير، فإن هشاشة القهوة أمام التغيرات المناخية واضحة. فبعكس العديد من السلع الزراعية الأخرى، لا يمكن أن تُزرع القهوة إلا في مناطق جغرافية محدودة، غالبًا عند ارتفاعات ودرجات حرارة دقيقة. وأي اختلال في هذا التوازن — سواء عبر موجات الجفاف أو الصقيع أو الأمراض الفطرية مثل صدأ الأوراق — قد يؤدي إلى انهيار المحاصيل بأكملها. وقد أظهرت السنوات القليلة الماضية لمحة من هذا المستقبل. ففي فيتنام، أدى الجفاف الطويل إلى خفض الإنتاج بنسبة 20% والصادرات بنسبة 10% خلال موسم 2023/24. وفي البرازيل، أكبر منتج للقهوة في العالم، تسببت واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخ البلاد بارتفاع أسعار أرابيكا بأكثر من 80% خلال عام 2024. هذه ليست أحداثًا عابرة، بل إشارات إلى واقع مناخي متغير يهدد استقرار هذا المحصول الحيوي.
تشير أبحاث أوردها التقرير إلى أنه بحلول عام 2050 قد تصبح نصف الأراضي المزروعة بالقهوة اليوم غير صالحة للإنتاج. ويُعد بن الأرابيكا، المسؤول عن 60 إلى 70% من الإنتاج العالمي والمشهور بجودته العالية، الأكثر عرضة للخطر. فهو يحتاج إلى مناخ أكثر برودة مع فصول مطيرة وجافة واضحة، ما يجعله حساسًا تجاه حتى الارتفاعات الطفيفة في درجات الحرارة. أما الروبوستا، المعروف بقدرته على تحمل الحرارة، فقد لا يسلم هو الآخر من آثار التغير المناخي.
يقول مايك باتلر، المدير المساعد لقطاع القهوة في مركز دبي للسلع المتعددة: “الواقع أن المنتجين غالبًا ما يكون لديهم عملاء حجزوا كميات قبل شهور من الحصاد. فإذا فشلت المحاصيل، فلن يتمكنوا من الالتزام، ما يضعهم تحت ضغوط هائلة ويجعل التقلبات المناخية القاعدة الجديدة.”
وقد بدأت هذه الضغوط بالفعل في إعادة تشكيل ديناميكيات السوق. فعندما ترتفع أسعار الأرابيكا، تلجأ الشركات الكبرى إلى الروبوستا لتعويض الفجوة، وغالبًا عبر مزجه بنسب أعلى في الإسبريسو أو القهوة الفورية. لكن كما يشير غارفيلد كير، رئيس جمعية القهوة المختصة (SCA) ومؤسس مقهى “موكا 1450” في دبي: “مستهلكو القهوة المختصة سيلاحظون الفرق. ورغم الجهود المبذولة لتطوير روبوستا بمستوى القهوة المختصة، إلا أن الطابع المذاقي يظل مختلفًا.” هذا التباين قد يعيد تعريف ما يشربه المستهلكون وأين وكيف تُزرع القهوة في العقود القادمة.
ولا يقتصر أثر المناخ على المزارع وحدها، بل يمتد ليهز منظومة التجارة العالمية بأكملها. فالنقص في البرازيل أو فيتنام لا يبقى محليًا، بل ينتقل عبر السلسلة، ليؤدي إلى ارتفاع الأسعار عالميًا ويعيد تشكيل قرارات الاستيراد. حتى آلية التسعير في البورصات، التي كانت تعتبر مرجعًا موثوقًا للمحمصين، لم تعد قادرة على عكس واقع سوق القهوة المختصة. يقول باتلر: “نحن أمام وضع معقد. تسعير البورصة أصبح مضاربيًا ومنفصلًا عن السوق الفعلية، خاصة في القطاعات المميزة.”
أما المزارعون الصغار — الذين ينتجون 80% من القهوة عالميًا — فيواجهون هذا التقلب كمعركة بقاء. فهم غالبًا بلا موارد لتعويض خسائر المحاصيل أو حماية أنفسهم من صدمات الأسعار. وإذا انهارت الغلة، انهارت معها سبل العيش، ما يهدد التعليم والرعاية الصحية والأمن الغذائي لملايين العائلات. التقرير الصادر عن مركز دبي للقهوة يشدد على ضرورة الاستثمار في استراتيجيات التكيف المناخي التي تمنح هؤلاء المزارعين القدرة على الاستمرار في الإنتاج رغم الظروف القاسية.
من بين الحلول الواعدة الزراعة الحرجية (Agroforestry)، حيث تُزرع القهوة إلى جانب الأشجار ومحاصيل متنوعة، ما يوفر حماية من الحرارة الشديدة، ويحسن خصوبة التربة، ويحافظ على المياه، ويمنح المزارعين مصادر دخل إضافية. كما أن تطوير أصناف قهوة مقاومة للجفاف يمثل جبهة جديدة. ويشير كير إلى أن اليمن قد يكون رائدًا في هذا المجال، إذ اعتاد مزارعوه منذ قرون على إنتاج قهوة متكيفة مع بيئات قاحلة ودرجات حرارة مرتفعة. ويقول: “أتوقع أن يصبح اليمن رائدًا عالميًا في إنتاج قهوة مقاومة للجفاف، لأنه بالفعل يزرع القهوة في ظروف أكثر حرارة وبكميات مياه أقل.”
ويتجاوز الضغط الحاجة إلى حلول زراعية فحسب. فالمؤسسات الدولية والمراكز التجارية مطالبة بتشجيع التعاون وتبادل البيانات والاستثمار لدعم المنتجين. وقد أطلقت المنظمة الدولية للقهوة بالتعاون مع المركز الدولي للتجارة قاعدة بيانات لدعم الاستدامة في القهوة، تضم أكثر من 400 مبادرة تعنى بالمناخ والاستدامة على مستوى العالم. من تدريب المزارعين على تقنيات التسميد العضوي، إلى دعم المشاريع التعاونية لمواجهة التغير المناخي، توضح هذه المبادرات أن بناء القدرة على الصمود يتطلب عملًا جماعيًا.
ومع ذلك، فإن التكيف وحده قد لا يكون كافيًا من دون تغييرات جذرية أوسع. فالمستهلكون يطالبون بشكل متزايد بالتأكد من أن قهوتهم منتجة بشكل مستدام وأخلاقي، بينما تستجيب الجهات التنظيمية عبر قوانين مثل تشريع الاتحاد الأوروبي لمكافحة إزالة الغابات. الالتزام بهذه القوانين يتطلب تتبع القهوة من المزرعة حتى الكوب، وهو ما يرفع التكاليف لكنه يفتح الباب أمام تقنيات جديدة مثل البلوك تشين والذكاء الاصطناعي لتعزيز الشفافية.
ويخلص تقرير مركز دبي للقهوة إلى أن قطاع القهوة العالمي يقف عند مفترق طرق. فالتغير المناخي يعصف بالإنتاج بالفعل، والمخاطر تتصاعد. ورغم أن التوقعات تشير إلى أن الإنتاج قد يصل إلى مستوى قياسي يبلغ 178.7 مليون كيس (سعة 60 كغ) في موسم 2025/26، فإن التحديات طويلة الأمد تهدد ليس فقط الإمدادات بل أيضًا سبل عيش ملايين المزارعين. وفي الوقت ذاته، تظهر الحلول — من الزراعة الحرجية إلى الأصناف المقاومة للجفاف، ومن الشفافية الرقمية إلى نماذج الاقتصاد الدائري — لتؤكد أن التغيير ممكن. والسؤال المطروح: هل سيتمكن القطاع من التكيف بسرعة كافية لإنقاذ مستقبل القهوة؟
بالنسبة لصناعة تمتد عبر القارات والثقافات، فإن الرسالة واضحة: من دون تحرك عاجل، قد تعيد تقلبات المناخ تشكيل عالم القهوة بشكل يفوق الخيال. لكن عبر الابتكار والتعاون وبناء القدرة على الصمود، يمكن للقهوة أن تظل ما كانت عليه دائمًا — ليست مجرد مشروب، بل رابطًا عالميًا، ودعامة اقتصادية، وقوة ثقافية تجمع بين الشعوب.