مع بدء ملايين الأشخاص حول العالم يومهم بفنجان من القهوة، لا تزال التساؤلات قائمة حول تأثير هذا المشروب على صحة القلب، وخاصة على ضغط الدم. ولعشاق القهوة والمهتمين بالصحة، فإن فهم العلاقة بين الكافيين وضغط الدم أمر بالغ الأهمية. فماذا تقول الأدلة العلمية الحديثة؟
ارتفاع مؤقت… وليس ضررًا دائمًا
تحتوي القهوة على الكافيين، وهو منبه طبيعي معروف بقدرته على زيادة التركيز والانتباه. ومن آثاره الجانبية أنه يؤدي إلى ارتفاع مؤقت في ضغط الدم، حيث يمنع الكافيين عمل مستقبلات الأدينوزين، وهي مادة تساعد عادة في توسعة الأوعية الدموية، كما يحفز إفراز الأدرينالين الذي يسبب انقباض الأوعية.
لكن هذا التأثير يتراجع تدريجيًا لدى من يتناولون القهوة بانتظام. فقد أظهرت الدراسات أن أغلب البالغين الأصحاء يطوّرون قدرة على التحمّل، ولا يؤدي استهلاك القهوة المعتدل يوميًا إلى ارتفاع دائم في ضغط الدم.
الوجه الآخر للقهوة: قوة مضادات الأكسدة
بعيدًا عن الكافيين، تعتبر القهوة مصدرًا غنيًا بمضادات الأكسدة، وخاصة البوليفينولات. وتساعد هذه المركبات على تقليل الالتهابات وتعزيز صحة الأوعية الدموية من خلال دعم وظيفتها الطبيعية.
وتشير بعض الدراسات إلى أن مضادات الأكسدة الموجودة في القهوة قد تعادل تأثير الكافيين على ضغط الدم، بل إن هناك أدلة على أن من يستهلكون القهوة بانتظام يتمتعون بوظائف وعائية أفضل من أولئك الذين لا يشربونها.
طريقة التحضير تُحدث فرقًا
تلعب طريقة تحضير القهوة دورًا في تأثيرها على صحة القلب. فالقهوة غير المفلترة—مثل تلك المُحضّرة بالفرنش برس أو القهوة التركية—تحتوي على مركبات تعرف باسم “الديتربين”، والتي قد ترفع من مستوى الكوليسترول الضار (LDL). ورغم أن هذا لا يؤثر مباشرة على ضغط الدم، إلا أن ارتفاع الكوليسترول يُعد عامل خطر إضافيًا لأمراض القلب.
أما القهوة المفلترة—مثل القهوة المقطّرة أو المعدّة بطريقة “البور أوفر”—فتزيل معظم هذه المركبات، وتُعتبر خيارًا يوميًا أكثر أمانًا.
الكمية الآمنة للقهوة: توصيات الخبراء
تشير إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) إلى أن استهلاك ما يصل إلى 400 ملغ من الكافيين يوميًا—أي ما يعادل حوالي 4 إلى 5 أكواب من القهوة المفلترة—يُعتبر آمنًا للبالغين الأصحاء. إلا أن هذه التوصية قد تختلف في حالة من يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب.
لذلك، ينصح العديد من أطباء القلب من يعانون من ارتفاع الضغط بتقليل الاستهلاك إلى كوب أو كوبين يوميًا، ومراقبة تأثير القهوة بشكل فردي. علماً بأن محتوى الكافيين يختلف بحسب نوع التحضير:
-
فنجان قهوة مفلترة (240 مل): حوالي 95 ملغ كافيين
-
جرعة إسبريسو (30 مل): حوالي 63 ملغ كافيين
-
قهوة كولد برو: قد تتجاوز 200 ملغ
-
قهوة منزوعة الكافيين: حوالي 3 ملغ في الفنجان
وإذا كنت حساسًا للكافيين أو تتناول أدوية للضغط، من الأفضل استشارة طبيبك.
نصائح عملية لمحبي القهوة مع ارتفاع ضغط الدم
-
قِس ضغط دمك قبل وبعد شرب القهوة لمراقبة تأثيرها عليك.
-
قلّل من مصادر الكافيين الأخرى مثل الشاي، ومشروبات الطاقة، والشوكولاتة.
-
جرّب مزج القهوة العادية مع منزوعة الكافيين (half-caff) لتقليل الكافيين دون التخلي عن العادة.
-
اختر القهوة المفلترة لتقليل المركبات المرتبطة برفع الكوليسترول.
-
احرص على شرب كميات كافية من الماء لأن الكافيين مدرّ للبول.
-
استشر طبيبك إن كنت مصابًا بأمراض القلب أو ارتفاع ضغط الدم.
الخلاصة
بالنسبة لمعظم الناس، فإن استهلاك القهوة بشكل معتدل يُعد آمنًا ولا يؤدي عادة إلى ارتفاع دائم في ضغط الدم. ورغم أن الكافيين يرفع الضغط مؤقتًا، إلا أن الجسم يتكيّف مع الوقت، كما أن مضادات الأكسدة في القهوة قد تُسهم في حماية القلب. ومع الاعتدال في الكمية والاهتمام بطريقة التحضير، يمكن للقهوة أن تبقى جزءًا من نمط حياة صحي—even لمن يعانون من ضغط الدم.