قطاع القهوة في السلفادور بين التعافي المحدود والتحديات البنيوية

قطاع القهوة في السلفادور بين التعافي المحدود والتحديات البنيوية

يشهد قطاع القهوة في السلفادور بوادر تعافٍ طفيف، حيث يُتوقع أن يرتفع الإنتاج في الموسم التسويقي 2025/2026 ليبلغ 597 ألف كيس زنة 60 كيلوغرامًا، مقارنة بـ561 ألف كيس في موسم 2024/2025، أي بنسبة نمو تصل إلى 6.4%، وذلك بفضل التوقعات الإيجابية لظروف الطقس خلال فترتي الإزهار والحصاد. ورغم هذه الزيادة المحدودة، لا تزال تحديات هيكلية عميقة تهدد مستقبل هذا القطاع الحيوي، من أبرزها التغير المناخي، وشيخوخة أشجار البن، ونقص العمالة، وضعف التمويل.

ركود في المساحات المزروعة وانتقال المزارعين إلى محاصيل بديلة

تشير البيانات الرسمية إلى أن المساحة المزروعة بالقهوة ظلت مستقرة عند 118 ألف هكتار منذ موسم 2023/2024، ومن المتوقع أن تستمر بهذا المستوى خلال الموسم المقبل. هذا الركود يعود إلى غياب استراتيجية وطنية طويلة الأمد، وتردد البنوك في تقديم التمويل للمزارعين بسبب ارتفاع مستوى المخاطرة. وبسبب ضعف الربحية، اتجه العديد من المزارعين إلى زراعة محاصيل بديلة مثل الكاكاو والذرة البيضاء، أو قاموا ببيع أراضيهم لتسديد ديونهم.

ورغم أن الحكومة السلفادورية توزع شتلات البن على المزارعين الصغار الذين يشكلون نحو 15% فقط من إجمالي المساحات المزروعة، إلا أن قلة الدعم المالي تؤدي إلى فشل غرس هذه الشتلات أو عدم بقاءها على قيد الحياة.

أمطار غزيرة أثرت على الإنتاج ونقص في المدخلات الزراعية

شهد شهر ديسمبر 2024 هطول أمطار غزيرة تجاوزت 400 ملم في يوم واحد، ما أدى إلى تساقط حبوب البن في ذروة نضجها وتلف المحصول، مما أثر سلبًا على الكميات وجودة الحبوب. وفي حين أن تحسّن الظروف المناخية قد يساعد في زيادة الإنتاج، إلا أن القطاع يظل من بين الأكثر عرضة لتقلبات الطقس في المنطقة.

يعاني المزارعون من نقص كبير في المدخلات الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات الحيوية، ولا تصل برامج الحكومة لتوزيع هذه المواد سوى إلى عدد محدود من المزارعين. كما أن الهجرة من الريف إلى المدن أدت إلى نقص في العمالة الزراعية، مما أثر على تنفيذ العمليات الأساسية مثل التقليم، والتسميد، والحصاد.

قهوة القمة: بصيص أمل في السوق المتخصصة

رغم المصاعب، تواصل القهوة السلفادورية تعزيز حضورها في سوق القهوة المتخصصة، إذ تتجه فئة متنامية من المزارعين إلى إنتاج “الميكرو-لوت” و”النانو-لوت” التي تُباع للمشترين المتخصصين في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وشهدت مسابقة “كأس التميز” لعام 2024 تفوق أنواع “غيشا” و”باكامارا” بتقييمات تجاوزت 90 نقطة.

وفي السوق المحلية، تتوسع ثقافة المقاهي، حيث تنتشر سلاسل مثل “فيفا إسبريسو” و”ذا كوفي كب” إلى جانب علامات عالمية مثل “ستاربكس” و”خوان فالديز”. كما حصل مقهى “الكيمياء” (Alquimia) على المرتبة 14 عالميًا في مسابقة بارات القهوة لعام 2025، ما يعكس تطور القهوة المختصة في البلاد.

استهلاك محلي متزايد وسط هيمنة القهوة الفورية

من المتوقع أن يرتفع استهلاك القهوة محليًا بنسبة 2% ليصل إلى 316 ألف كيس في موسم 2025/2026، مدفوعًا بازدهار السياحة وافتتاح المزيد من المقاهي. إلا أن القهوة الفورية ما تزال تستحوذ على النسبة الأكبر من الاستهلاك (نحو 262 ألف كيس)، بفضل انخفاض تكلفتها وسهولة تحضيرها. وتستورد البلاد هذه الأنواع من المكسيك والبرازيل وكولومبيا، إلى جانب الإنتاج المحلي المحدود.

نمو في الصادرات وأسواق جديدة

سجلت صادرات القهوة في موسم 2024/2025 ارتفاعًا بنسبة 25% لتبلغ 578 ألف كيس، ويُتوقع أن تصل إلى 583 ألف كيس في الموسم المقبل. وتتصدر الولايات المتحدة قائمة المستوردين (47% من الإجمالي)، تليها بلجيكا (12%)، ثم إيطاليا، وألمانيا، والسعودية. كما بدأت أسواق جديدة مثل المملكة المتحدة وأستراليا في زيادة وارداتها من القهوة السلفادورية.

تحقق القهوة المختصة أسعارًا تفوق السوق التقليدية بمقدار يتراوح بين 100 و300 دولار لكل قنطار، ما يشجع المزارعين على التوجه نحو الجودة والتخصص. وتساهم الفعاليات مثل مزادات “كأس التميز” في تعزيز حضور البن السلفادوري عالميًا.

السياسات العامة: غياب الاستراتيجية الشاملة

على الرغم من البرامج الحكومية المختلفة، لا يزال القطاع يفتقر إلى رؤية استراتيجية موحدة. المساعدات تركز على المزارعين الصغار، في حين أن 85% من المساحة المزروعة تقع بيد مزارعين متوسطين وكبار لا تصلهم هذه المساعدات.

وتشير التقديرات إلى أن البلاد بحاجة لزراعة 30 مليون شتلة جديدة سنويًا لمدة عشر سنوات لتعويض الأشجار المسنة التي تجاوزت 25 عامًا في أعمارها. ويُعد مشروع “كافيه – بروييكتو باييس” ومبادرة “الإنقاذ البنّي” من بين الخطط الحكومية المتوقفة جزئيًا بسبب قيود الميزانية وتداعيات الجائحة.

التأثيرات الاقتصادية والبيئية

أدى تراجع الإنتاج إلى انخفاض في فرص العمل في المناطق الريفية. ووفقًا لتقديرات المعهد السلفادوري للقهوة، فإن كل انخفاض قدره 100 ألف قنطار في الإنتاج يؤدي إلى فقدان نحو 10,000 وظيفة. كما أدى هجر الأراضي الزراعية إلى خسائر بيئية مثل تراجع الغابات وانخفاض قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه.

الخلاصة

رغم بعض المؤشرات الإيجابية في الإنتاج والصادرات، لا تزال تحديات قطاع القهوة في السلفادور عميقة ومعقدة. إن تعافي هذا القطاع يتطلب استراتيجية شاملة تشمل الوصول إلى التمويل، وإعادة تأهيل المزارع، وتعزيز البنية التحتية، وتوسيع برامج الدعم لتشمل غالبية المنتجين. الشراكات الدولية، مثل مشروع MOCCA الذي تدعمه وزارة الزراعة الأميركية، تمثل خطوة مهمة، لكن وحدها الإرادة السياسية والدعم المستمر يمكن أن يُحدثا فرقًا حقيقيًا.

Spread the love
نشر في :