جيل زد.. كيف يعيد الشباب رسم ثقافة القهوة حول العالم
دبي – قهوة ورلد
في عالم يتغير تحت تأثير الأزمات الاقتصادية وتحديات المناخ وتبدل القيم الاستهلاكية، يظهر جيل زد بوصفه القوة الجديدة التي تعيد تعريف علاقة الإنسان بالقهوة والشاي. فالمولودون بين عامي 1995 و2009 يتميزون بقدرتهم الرقمية العالية، واهتمامهم بالصحة، وسعيهم للتعبير عن الذات، وهي صفات جعلتهم يعيدون تشكيل واحدة من أقدم العادات في العالم الحديث.
لطالما كانت القهوة حاضرة بقوة في الأسواق المتقدمة مثل أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث بلغ معدل استهلاك القهوة الجاهزة في التجزئة 127.7 لتراً في أوروبا و98.5 لتراً في أمريكا الشمالية خلال عام 2024. ومع ذلك، تشير الاتجاهات الحديثة إلى أن فرص النمو الحقيقية باتت في مناطق آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، حيث يعيش أكبر عدد من أبناء جيل زد الذين يشهدون نمواً متسارعاً في الدخل وتطوراً في الأذواق.
وبحسب دراسة “صوت المستهلك – أنماط الحياة 2025” الصادرة عن مؤسسة يورومونيتور إنترناشونال، تختلف معدلات استهلاك الكافيين اليومية لدى هذا الجيل بين المناطق الجغرافية. فقد تصدرت أوروبا القائمة بنسبة تقارب 44% من المستهلكين الذين يتناولون الكافيين مرة واحدة على الأقل يومياً، تلتها أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية، بينما سجلت آسيا والمحيط الهادئ (31%) والشرق الأوسط وأفريقيا (29%) معدلات أقل ولكنها تنمو بسرعة كبيرة، ما يشير إلى فرص توسع واعدة أمام الشركات العالمية.
جيل زد لا يستهلك القهوة فحسب، بل يصنع منها تجربة شخصية. فقد أظهر نصف المشاركين في الدراسة رغبتهم في الحصول على منتجات وخدمات مصممة خصيصاً لهم. ومن هنا أصبحت المشروبات مثل الماتشا لاتيه والكوكونت لاتيه التي تنتشر عبر تيك توك وإنستغرام رموزاً ثقافية تعبّر عن الذوق والهوية. وفي هذا العالم الرقمي، لم تعد القهوة مجرد مشروب، بل وسيلة للتعبير والتواصل والمشاركة.
ولا تقتصر التجربة على المقاهي فحسب، إذ أصبح إعداد القهوة في المنزل جزءاً من أسلوب حياة جيل زد. فآلة القهوة المنزلية لم تعد أداة للتوفير فحسب، بل وسيلة للتجربة والإبداع وتحقيق المتعة في إعداد فنجان مثالي يشبه ما يُقدَّم في المقاهي، لكنه يحمل بصمة شخصية تعكس الذوق والمزاج.
الصحة والاستدامة أصبحتا من أولويات هذا الجيل. فالكثيرون منهم يتجهون نحو أنواع القهوة الوظيفية التي تقدم فوائد تتجاوز مجرد الطاقة، مثل القهوة الممزوجة بالفطر الطبي أو الكولاجين أو المكملات الطبيعية التي تعزز التركيز والجمال والهضم. وفي الوقت نفسه، تبرز الاستدامة كقيمة أساسية في اختياراتهم؛ إذ يُظهر جيل زد انفتاحاً كبيراً على القهوة المزروعة في المختبر أو الخالية من الحبوب، باعتبارها خطوة نحو مستقبل أكثر حفاظاً على البيئة. وقد بدأت شركات ناشئة مثل أتومو كوفي في الولايات المتحدة وسنغافورة وفرنسا تطوير هذا النوع من القهوة.
منصات التواصل الاجتماعي هي القلب النابض لثقافة هذا الجيل. فـتيك توك وإنستغرام أصبحا مختبراً للأفكار والاتجاهات الجديدة، حيث يتفاعل المستهلكون مع العلامات التجارية التي تركز على الصدق والشفافية أكثر من الإعلانات التقليدية. وقد استجابت الشركات الكبرى لهذا التوجه بإطلاق منتجات بصرية جذابة مثل كوكو ماتشا وكوکو كولد برو من ستاربكس، إلى جانب التعاونات المؤثرة مثل شراكة نسبريسو مع المغني ذا ويكند.
أما في مجال التوزيع، فقد ازدهرت قنوات البيع المباشر للمستهلك (D2C) بفضل قدرتها على توفير التخصيص والراحة. ففي الهند، توسعت علامات مثل بلو توكاي وسليبي أوول بسرعة عبر الإنترنت، بينما تقدم بيرك كوفي في سنغافورة خدمات اشتراك منتظمة تمنح الزبائن تجربة مصممة وفق أذواقهم. حتى المتاجر الصغيرة بدأت تتحول إلى وجهات قهوة جديدة، مثل سلسلة 7-إليفن التي أطلقت آلات شاي أوتوماتيكية، في حين تقدم كوفي بانهادا في كوريا تجربة قيادة ذاتية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحضير القهوة حسب الطلب.
القهوة القادمة لن تُعرَّف فقط بنوع الحبوب أو تقنيات التحضير، بل بالقيم التي تمثلها. ومع نضوج جيل زد، سيزداد تأثيره في تشكيل ثقافة القهوة والشاي عالمياً، ليجمع بين الابتكار الرقمي والوعي الإنساني. مستقبل القهوة إذن لن يُقاس بنكهتها فقط، بل بقدرتها على التعبير عن الفردية والاستدامة — فكل فنجان بات يعكس جيلاً كاملاً من الوعي والاختيار.