في وسط طقوسنا اليومية، سواءً كنا نسميها فنجان جو، جافا، أو ببساطة قهوتنا الصباحية، تقف القهوة كركن أساسي في الثقافة العالمية. وبشكل خاص، تحتل حبوب البن العربي ” أرابيكا” مكانة خاصة بين عشاق القهوة.
مؤخراً، خاض الباحثون في تركيبة الجينوم للبن العربي، فككوا رحلة رائعة بدأت في غابات إثيوبيا الخصبة. من خلال تسلسل الجينوم الدقيق لـ 39 نوعًا من البن العربي، بما في ذلك بقايا من القرن الثامن عشر، كشفوا عن الفصول الأقدم في تاريخ القهوة، يعود تاريخها إلى ما يقرب من 610،000 إلى مليون عام.
بقيادة عالم تطور النبات فيكتور ألبرت من جامعة بوفالو، تكشف الدراسة المنشورة في مجلة الجينوميات الطبيعية عن عزيمة البن العربي وأهميته. إنه لا تظهر فقط كمحصول تجاري ولكن كجزء لا يتجزأ من الاقتصادات المحلية والتقاليد، والتي تعين على البقاء عبر الأجيال.
كشف التحليل الجينومي عن العلاقة الديناميكية بين البن العربي وتقلبات المناخ عبر الآف السنين، يعود تطويره إلى منشأ إثيوبي ويمني قبل انتشاره العالمي. ومع ذلك، على الرغم من وجوده الواسع، يواجه البن العربي تحديات بسبب تدني التنوع الجيني، ناتجة عن الزواج الداخلي التاريخي والقيود السكانية.
يؤكد باتريك ديسكومبس، خبير الجينوميات من بحوث نستله ومعهد التكنولوجيا الفيدرالي السويسري (EPFL)، على أهمية الدراسة لزراعة القهوة المستقبلية. من خلال تحديد المناطق الجينومية الرئيسية المرتبطة بمقاومة الأمراض وملامح النكهة، يمهد البحث الطريق لاستراتيجيات التربية الابتكارية لتعزيز قدرة البن العربي على التحمل من التحديات البيئية وتطور تفضيلات المستهلكين.
تتشابك قصة البن العربي مع قصة أصلها، Coffea canephora (روبوستا) و Coffea eugenioides، مما يبرز براعة الطبيعة في خلق مشروب محبوب على نطاق واسع. بينما يتميز روبوستا بقوته ضد الآفات والأمراض، يفتن البن العربي بنكهاته الدقيقة ونعومته، مجسداً توازناً حساساً بين التراث والابتكار.
ونحن نستمتع بكوبنا اليومي، دعونا نتأمل في الجذور القديمة للقهوة، حيث تتردد أصداء غابات إثيوبيا من خلال كل رشفة عطرية، تواصلنا مع تقليد زمني يتجاوز الحدود والعصور.