تقرير صادم: ملوثات صناعية وبيئية في جميع عينات القهوة العضوية
دبي – قهوة ورلد
أحدثت منظمة «التسمية النظيفة» في الولايات المتحدة جدلاً واسعًا بعد أن نشرت تقريرًا موسعًا حول نقاء القهوة العضوية، كشف عن نتائج صادمة تقوّض الصورة الذهنية المرتبطة عادةً بمفهوم «الزراعة العضوية». فخلال دراسة دقيقة أجريت على مدى أشهر، تبين أن جميع العينات التي خضعت للفحص احتوت على ملوثات صناعية وبيئية، بما في ذلك بقايا مبيدات محظورة، الأمر الذي يطرح تساؤلات جوهرية حول مصداقية العلامات العضوية وفاعلية أنظمة الرقابة الزراعية.
وشملت الدراسة اختبار سبعة وخمسين منتجًا مختلفًا من القهوة، تمثل خمسًا وأربعين علامة تجارية رائدة في الأسواق الأميركية والعالمية. وخضع كل منتج لسلسلة من التحاليل المخبرية الدقيقة التي تجاوز عددها سبعة آلاف اختبار فردي، لتغطية مختلف الجوانب المرتبطة بسلامة المنتج. وتوزعت العينات على مستويات التحميص الثلاثة الأكثر شيوعًا: الفاتح، المتوسط، والداكن، كما شملت أنماط التغليف الأساسية المتداولة في الأسواق، من أكياس ورقية أو بلاستيكية، إلى كبسولات جاهزة، وصولًا إلى العلب المعدنية.
النتيجة الأبرز والأكثر إثارة للجدل تمثلت في العثور على مادة «أمينو ميثيل فوسفونات» المعروفة اختصارًا بـ«أمبا» في مئة في المئة من عينات القهوة العضوية. وهذه المادة هي ناتج تحلل لمبيد الغليفوسات، وهو مبيد أعشاب مثير للجدل عالميًا بسبب المخاطر الصحية المرتبطة به، ورغم ذلك فإنه محظور تمامًا في الزراعة العضوية. وأكدت المنظمة أن وجود هذه المادة في جميع العينات من دون استثناء يثير صدمة حقيقية، لأن المستهلك يلجأ إلى القهوة العضوية تحديدًا طلبًا للنقاء والابتعاد عن الكيماويات.
ورغم أن الغليفوسات نفسه ظهر في عدد محدود جدًا من العينات، فإن وجود ناتج تحلله بشكل شامل يضع علامات استفهام كبرى حول مصادر التلوث. وتشير الفرضيات إلى احتمالات متعددة؛ فقد يكون التلوث ناتجًا عن جريان المياه من المزارع التقليدية المجاورة إلى الحقول العضوية، أو عن انتقال الرذاذ عبر الهواء والرياح من الحقول التي تستخدم المبيدات، أو حتى نتيجة لبقايا ملوِّثة في التربة منذ عقود لم تختف آثارها بعد.
ولم يتوقف التقرير عند هذا الحد، بل كشف أيضًا عن وجود المعادن الثقيلة في جميع العينات، بما في ذلك الرصاص والكادميوم والزئبق والزرنيخ. ورغم أن مستويات هذه المعادن في معظم العينات جاءت ضمن الحدود القصوى التي يحددها الاتحاد الأوروبي لسلامة الغذاء، فإن الخطر يكمن في التراكم التدريجي داخل الجسم مع الاستهلاك اليومي المستمر. وأوضح الخبراء أن استهلاك القهوة بشكل معتدل قد لا يشكّل خطرًا مباشرًا، إلا أن غياب الرقابة الصارمة قد يفتح الباب أمام مخاطر طويلة الأمد.
وفي جانب آخر، أظهرت الفحوصات أن مادة الأكريلاميد، وهي مركّب كيميائي يتكوّن طبيعيًا أثناء عملية تحميص البن وتُصنف كمادة مسرطنة محتملة، كانت موجودة في جميع العينات أيضًا. المفارقة أن مستويات الأكريلاميد كانت أعلى في التحميص المتوسط مقارنة بالتحميص الداكن أو الفاتح جدًا. وهذا يضع المستهلك أمام معادلة معقدة: فبينما يفضل كثيرون التحميص المتوسط لاعتداله في النكهة، تكشف الدراسة أنه قد يحمل مستويات أعلى من هذه المادة الضارة.
كما أظهرت النتائج أن مادة الفثالات، وهي مواد كيميائية تُستخدم في صناعة البلاستيك وتُعرف بقدرتها على التسرب إلى الغذاء والمشروبات، وُجدت بكثرة في القهوة المعلبة، تليها الكبسولات، في حين سجلت القهوة المعبأة في الأكياس أقل المستويات. ويشير ذلك إلى أن مادة التغليف ليست مجرد عنصر تسويقي أو وسيلة لحفظ النكهة، بل عامل جوهري في نقاء المنتج النهائي.
ومن الملاحظات المثيرة للاهتمام أيضًا ما يتعلق بالأصل الجغرافي للقهوة. فقد بينت النتائج أن القهوة القادمة من القارة الأفريقية سجلت مستويات أقل من المعادن الثقيلة، بينما كانت القهوة المزروعة في هاواي أعلى من المتوسط، ويرجّح الخبراء أن ذلك مرتبط بطبيعة التربة البركانية الغنية بعناصر معدنية تنتقل بسهولة إلى النبات. وتؤكد هذه الملاحظة أن البيئة الزراعية لها دور مباشر في نقاء الحبوب بغض النظر عن الممارسات الزراعية.
وأكدت منظمة «التسمية النظيفة» أن الهدف من هذه الدراسة ليس تخويف المستهلك أو دفعه إلى التوقف عن شرب القهوة، بل توعيته بالمخاطر غير المرئية التي قد ترافق الاستهلاك اليومي، ومنحه الأدوات اللازمة لاتخاذ قرارات أكثر وعيًا. ومن أبرز توصياتها أن يبحث المستهلك عن العلامات التجارية التي تحمل شهادات مستقلة تثبت خضوعها لفحوصات دقيقة، وأن يفضّل التحميص الداكن أو الفاتح جدًا لتقليل التعرض لمادة الأكريلاميد، وأن يتجنب القهوة المعلبة قدر الإمكان لصالح القهوة المعبأة في أكياس، إضافة إلى متابعة نتائج الفحوصات المنشورة على الموقع الإلكتروني للمنظمة بصورة دورية.
ويشير التقرير إلى أن صناعة القهوة، التي تبلغ قيمتها في الولايات المتحدة وحدها أكثر من مئتين وتسعة وستين مليار دولار، ويستهلكها يوميًا أكثر من مليار شخص حول العالم، ليست محصّنة ضد التلوث البيئي والصناعي. ومع أن القهوة ارتبطت عبر القرون بالثقافة والمجتمع والاقتصاد، فإن هذه النتائج تذكّر بأن صفة «عضوي» لا تعني بالضرورة النقاء الكامل. وتبرز الحاجة إلى تشديد الرقابة على المنتجات، وضمان الشفافية في سلاسل التوريد، وتعزيز الدراسات المستقلة القادرة على استعادة ثقة المستهلكين وحماية سمعة أحد أكثر المشروبات ارتباطًا بحياة البشر اليومية.