إعادة التفكير في نفايات القهوة: ثروة غير مستغلة داخل حبة الكرز

إعادة التفكير في نفايات القهوة: ثروة غير مستغلة داخل حبة الكرز

في ظل تزايد التوجه العالمي نحو الاستدامة في قطاع القهوة، بدأ الاهتمام يتوجه إلى مورد طالما أُهمل لسنوات: النفايات العضوية الناتجة عن معالجة حبوب القهوة. وفي مقالة حديثة بعنوان “ثروة الكرز الخفية – إعادة التفكير في نفايات اقتصاد القهوة”، يستعرض الدكتور شتيفن شوارز من قنصلية القهوة في ألمانيا رؤية جديدة تدعو إلى إعادة تعريف ما يُعتبر “فضلات” في هذه الصناعة.

وفقًا لما ذكره شوارز، فإن كل كيلوغرام واحد من القهوة الخضراء التي تُصدَّر، يُخلّف ما يقارب ستة كيلوغرامات من المواد العضوية التي غالبًا ما تُحرَق أو تُدفن دون استغلال. وتشمل هذه المواد: لب الحبة، والمادة اللزجة، والقشرة الورقية، والقشرة الفضية، وبقايا الطحن.

ويؤكد تقرير تنمية القهوة 2022 – 2023 أن الصناعة العالمية تُنتج أكثر من ٤٠ مليون طن من المنتجات الثانوية العضوية سنويًا. وقد بدأت هذه النفايات تُنظر إليها اليوم بوصفها موردًا ثمينًا في إطار اقتصاد دائري ناشئ للقهوة.

فلبّ الكرز وحده، والذي يمثل نحو نصف وزن الحبة، غني بمركبات فعّالة مثل البوليفينولات والسكريات والأحماض العضوية والألياف، ويمكن تحويله إلى طحين أو مشروبات “كاسكارا” أو بكتين أو حتى طاقة حيوية. أما المادة اللزجة، التي كانت تُعتبر في السابق عقبة في المعالجة الرطبة، فهي مرشحة لاستخدامات صناعية واعدة كمصدر للصمغ الطبيعي وأساس لعمليات التخمير. كما يُستخدم الغلاف الفضي الذي يتساقط أثناء التحميص في تصنيع عبوات قابلة للتحلل، بينما تُستخدم بقايا الطحن في مستحضرات التجميل والملابس ومواد البناء.

هذه التحولات لم تبقَ حبيسة المختبرات، بل بدأت تدخل حيز التنفيذ في عدة دول. ففي كوستاريكا، تُصدّر الكاسكارا كمكوّن فاخر في تحضير المشروبات. وفي أوغندا، يُستخدم لب القهوة لتوليد طاقة حيوية لتشغيل آلات فصل اللب. أما في ألمانيا وكوريا الجنوبية، فتُستخدم بقايا القهوة المطحونة في صناعة الأثاث والعبوات الصديقة للبيئة.

لكن هذا التحول لا يقتصر على الجانب التقني، بل يشمل بُعدًا فلسفيًا أيضًا. فكما يشير شوارز، “الاقتصاد الدائري في القهوة لا يبدأ بإعادة التدوير، بل بالاعتراف بأن المنتج الثانوي هو أيضًا منتج رئيسي”. وهذا يفتح المجال لإعادة تعريف سلسلة القيمة، بحيث لا تقتصر على الحبة الخضراء، بل تشمل جميع مكونات الكرز.

لتحقيق هذا التغيير، يجب تطوير البنية التحتية في مراحل المعالجة. فمن الضروري تجهيز ساحات التجفيف لاستقبال لب الكرز المعدّ للتجفيف، وتحديث سلاسل التوريد لتشمل المنتجات الثانوية. كما ينبغي تمكين المزارعين من استخلاص القيمة الكاملة من محصولهم، وليس فقط من الحبة القابلة للتصدير.

ومن الجانب البيئي، فإن سوء إدارة النفايات العضوية يؤدي إلى انبعاث غازات ضارة، وتلوث مصادر المياه، وتدهور جودة التربة. أما في ظل الأنظمة الدائرية، فيمكن إعادة تدوير هذه النفايات لتغذية التربة بالكربون وتقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية.

ويختم شوارز مقالته بسؤال بليغ: “ماذا لو كانت أغنى أجزاء حبة الكرز هي تلك التي لم نُصدّرها قط؟”

Spread the love
نشر في :