ارتفاع الأسعار يطمس الفوارق بين القهوة المختصة والتجارية

ارتفاع الأسعار يطمس الفوارق بين القهوة المختصة والتجارية

في ظل استمرار ارتفاع الأسعار العالمية للقهوة، بدأت الحدود التي كانت تفصل بين القهوة المختصة والقهوة التجارية تتلاشى شيئًا فشيئًا. فبينما لطالما اعتُبرت القهوة المختصة منتجًا ذا هوية مستقلة، تتغير المعادلة اليوم بسبب ظروف السوق المتقلبة، مما يفرض تحديات وفرصًا جديدة أمام كل من المستهلكين والمزارعين والمحمصات.

سوق عالمي مضطرب ومخزونات منخفضة

شهدت أسعار البن الأخضر قفزات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين، متأثرة بعوامل متعددة على رأسها ضعف المحاصيل في البرازيل وفيتنام، وهما أكبر دولتين منتجتين للبن في العالم، إلى جانب انخفاض المخزون العالمي وتزايد النشاط المضاربي في الأسواق.

بلغ سعر البن ذروته في فبراير 2025 ليسجل 4.41 دولار للرطل، قبل أن يتراجع إلى أقل من 3 دولارات في ظل تحسن الطقس وتوقعات بمحصول أوفر. ورغم هذا التراجع النسبي، لا تزال الأسعار أعلى بكثير من مستوياتها في يوليو 2024، حين سجلت 2.21 دولار للرطل.

وتشير توقعات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن المستهلكين في أوروبا سيشعرون بتأثير هذه الارتفاعات خلال 11 شهرًا، وفي الولايات المتحدة خلال 8 أشهر، على أن تستمر آثارها الاقتصادية لأربعة أعوام على الأقل.

القهوة التجارية.. رفع أسعار متواصل وسلوك استهلاكي متغير

دفعت تقلبات السوق العديد من الشركات الكبرى، مثل “جي إم سموكر” و”جاي دي إي بيتس”، إلى رفع أسعار منتجاتها عدة مرات منذ عام 2024، ما أثار امتعاض متاجر التجزئة والمستهلكين على حد سواء.

وفي السوق البرازيلية، ارتفعت أسعار القهوة في المتاجر بنسبة 40% خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، وفقًا لبيانات الجمعية البرازيلية لصناعة القهوة (ABIC). وقد أصبحت هذه الزيادات عبئًا على المستهلك، الأمر الذي أدى إلى تغيّر في السلوك الشرائي، كما حدث في أسواق أخرى مثل سوق البيض في الولايات المتحدة، حيث توقف أكثر من ثلث المستهلكين عن الشراء مع تجاوز الأسعار حاجز 5 دولارات.

هل يمكن أن تستفيد القهوة المختصة من تقارب الأسعار؟

لطالما تميزت القهوة المختصة بجودة أعلى، وشفافية في سلسلة التوريد، وعلاقات أكثر عدالة مع المزارعين. ومع تقارب أسعار البن التجاري مع المختص، قد يبرز توجه لدى بعض المستهلكين لتجربة القهوة المختصة، باعتبار أن الفارق السعري بات ضئيلاً.

يقول سام كلاين، مشتري القهوة الخضراء في “بارتنرز كوفي”:

“حين تبدو جميع أنواع القهوة باهظة، سيتساءل المستهلك: لماذا أدفع مبلغًا كبيرًا مقابل قهوة تجارية عادية، بينما يمكنني دفع مبلغ قريب مقابل قهوة عالية الجودة؟”

ومع هذا، فإن المحمصات المختصة تواجه أيضًا ضغوطًا بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وقد تضطر بدورها لرفع الأسعار، ما قد يقيد قدرتها على جذب مستهلكين جدد من الفئة المتوسطة أو ذات الميزانيات المحدودة.

تحديات على مستوى الإنتاج

رغم أن القهوة المختصة لا تخضع بشكل مباشر لسوق “الدرجة التجارية” (C Market)، إلا أن ارتفاع الأسعار يؤثر على قرارات الإنتاج والتصدير.

فريزو ميغيل سبور، مؤسس “كوفّي لينته”، يشير إلى اختلاف تأثير الأسعار حسب البلدان:

“في إثيوبيا مثلًا، تم تحديد سعر موحد للكرز في بداية الموسم، ما يمنح المصدرين قدرة أكبر على تقديم أسعار مستقرة. أما في أمريكا الوسطى، فإن الفجوة بين أسعار الأسواق المحلية وأسواق التصدير تُحدث تفاوتًا في التسعير.”

ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع الأسعار قد يُضعف من حوافز المزارعين لإنتاج قهوة عالية الجودة، حيث يمكنهم بيع البن بأسعار مجزية دون الحاجة لاستثمار إضافي في المعالجة أو الفرز.

إلى أين يتجه المستهلكون؟

تشير التجارب السابقة إلى أن المستهلكين، عند مواجهة زيادات سعرية كبيرة، يتخذون قرارات متنوعة: التوجه نحو العلامات التجارية الأرخص، أو القهوة الفورية، أو العلامات الخاصة بالمتاجر. كما أن بعضهم قد يقلل من استهلاكه الكلي.

في الوقت ذاته، يعتقد خبراء أن هناك فرصة حقيقية أمام المحمصات المختصة لتوسيع قاعدة زبائنها، من خلال تقديم منتجات ميسورة التكلفة، مثل الخلطات الاقتصادية أو الحصص الصغيرة ذات الجودة العالية.

يختم سام كلاين بالقول:

“لطالما بنت القهوة المختصة وعدها على تقديم جودة أعلى وعدالة أكبر للمزارع. والسؤال اليوم هو: هل ستواصل الشركات المختصة الإيمان بهذا النموذج في وقت لم تعد فيه القهوة الرخيصة موجودة أصلاً؟”

Spread the love
نشر في :