مركز دبي للقهوة: القهوة المختصة تعيد رسم خريطة السوق العالمية
دبي، 16 سبتمبر 2025 (قهوة ورلد) – لم تعد القهوة سلعة استهلاكية عادية، بل تحوّلت إلى تجربة ثقافية ومعيار للذوق الرفيع، حيث يشهد العالم طفرة غير مسبوقة في نمو قطاع القهوة المختصة. وفي تقريره الأخير ضمن سلسلة مستقبل التجارة الزراعية، يؤكد مركز دبي للقهوة التابع لمركز دبي للسلع المتعددة أن هذا النمو المتسارع يعيد تشكيل السوق العالمية، ويفتح فرصًا جديدة لكنه يفرض في الوقت نفسه تحديات عميقة على المنتجين وسلاسل التوريد.
من مشروب يومي إلى ثقافة عالمية
شهد العقد الأخير تحولات لافتة في سلوك المستهلكين، إذ لم يعد الاكتفاء بفنجان قهوة تقليدي يلبي تطلعات الأجيال الجديدة، وخاصة جيل الألفية والجيل «زد». هؤلاء يبحثون عن الجودة الفائقة والشفافية في سلسلة القيمة، ويريدون معرفة مصدر الحبوب وظروف زراعتها، وحتى الأثر البيئي والاجتماعي لفنجان القهوة الذي يتذوقونه. هذا التغيير في أنماط الاستهلاك أطلق العنان لازدهار سوق القهوة المختصة، التي تنمو بمعدلات تفوق بكثير سوق القهوة التجارية.
ويشير التقرير إلى أن الطلب على القهوة المختصة في آسيا وحدها ارتفع بنسبة 30% خلال السنوات الخمس الماضية، فيما تحولت مدن مثل شنغهاي، طوكيو، وسيؤول إلى وجهات رائدة في مشهد المقاهي العالمية. أما في الشرق الأوسط، فقد أصبحت دبي مركزًا بارزًا للقهوة المختصة، حيث يجتمع رواد الأعمال والمستوردون والمستهلكون حول تجربة قهوة تتجاوز حدود الطعم لتشمل الهوية والثقافة.
فجوة التسعير ومعركة المزارعين
لكن هذا النمو السريع لا يخلو من إشكالات. فبينما تُباع القهوة المختصة بأسعار مرتفعة في الأسواق النهائية، يظل المزارع الصغير الذي يشكّل نحو 80% من الإنتاج العالمي يواجه صعوبات في الحصول على نصيبه العادل. ويكشف التقرير أن فجوة التسعير بين مؤشرات البورصة العالمية وسوق القهوة المختصة تتسع يومًا بعد يوم. ففي حين تسجل العقود الآجلة أحيانًا تراجعًا في الأسعار، تستمر أسعار القهوة المختصة بالصعود، ما يضع المحامص الصغيرة والمستهلكين أمام خيارات صعبة.
يقول غارفيلد كير، رئيس جمعية القهوة المختصة ومؤسس مقهى «موكا 1450» في دبي: «الفجوة بين السوق الفعلية والآليات التقليدية للتسعير باتت تهدد استقرار القطاع. يجب أن تكون هناك أنظمة جديدة أكثر عدالة تعكس الجودة الحقيقية وتضمن للمزارع حصة من القيمة المضافة».
دور التكنولوجيا والتحول في الأسواق
يلفت التقرير أيضًا إلى أن التقنيات الحديثة مثل البلوك تشين والذكاء الاصطناعي بدأت تلعب دورًا محوريًا في دعم سوق القهوة المختصة. فهي تتيح تتبع الحبوب من المزرعة حتى الكوب، وتمنح المستهلكين الثقة التي يطالبون بها، كما تساعد المنتجين على إثبات استدامة ممارساتهم. هذه الأدوات ليست ترفًا، بل أصبحت شرطًا أساسيًا للولوج إلى الأسواق الكبرى، خصوصًا مع تشريعات مثل قانون الاتحاد الأوروبي لمكافحة إزالة الغابات.
وفي السياق ذاته، يشدد التقرير على أن الأسواق الصاعدة مثل الخليج العربي تلعب دورًا متزايدًا في تشكيل الطلب العالمي. فمع ازدياد الوعي بين المستهلكين في دبي والرياض والدوحة، باتت القهوة المختصة جزءًا من نمط الحياة العصري، ووسيلة للتعبير عن الهوية والذوق، ما يرفع من مكانة المنطقة كمركز استهلاكي وتجاري في آن واحد.
دبي.. منصة عالمية للقهوة المختصة
في ظل هذه التحولات، يبرز دور دبي كمحور رئيسي لربط المنتجين بالأسواق العالمية. فـمركز دبي للقهوة لا يوفّر فقط مرافق للتخزين والتحميص والتعبئة، بل يشكّل منصة تجارية متكاملة بنظام «الدفع حسب الاستخدام»، مما يمنح المزارعين والمصدّرين من إفريقيا وأمريكا اللاتينية نافذة مباشرة للوصول إلى المستوردين والمقاهي في آسيا والشرق الأوسط. هذا الدور يعزز مكانة دبي كمركز عالمي للقهوة المختصة، وقادر على التخفيف من التقلبات التي تواجه المنتجين الصغار.
مستقبل مشرق محفوف بالتحديات
ورغم أن التوقعات تشير إلى أن القهوة المختصة ستواصل نموها بمعدلات تتجاوز 7% سنويًا خلال العقد المقبل، إلا أن الطريق ليس مفروشًا بالورود. فالمزارعون بحاجة إلى استثمارات في التدريب والتقنيات لضمان استمرارية الجودة، كما أن المحامص تواجه ضغوطًا من الأسعار المتقلبة والتكاليف اللوجستية المتزايدة.
يخلص التقرير إلى أن مستقبل القهوة المختصة مرهون بقدرة القطاع على إيجاد توازن بين الطلب المتنامي والجودة المستدامة والعدالة في التوزيع. فإذا تحقق ذلك، فإن القهوة المختصة لن تكون مجرد سلعة، بل ركيزة اقتصادية وثقافية قادرة على إعادة رسم خريطة السوق العالمية، وتثبيت مكانة دبي كمركز محوري لهذا التحول.