كراتشي – 14 سبتمبر 2025 – قهوة ورلد – أسدل القضاء الباكستاني الستار على واحدة من أطول وأغرب القضايا في صناعة القهوة، بعد أن حكم لصالح مقهى محلي يُدعى “ستار بخش” ضد عملاق القهوة العالمي ستاربكس، في نزاع قانوني استمر أكثر من 12 عاماً. الحكم لم يكن مجرد نهاية لمعركة قانونية طويلة، بل تحوّل إلى نقاش عالمي حول الهوية الثقافية وحدود حماية العلامات التجارية.
بدأت القصة عام 2013 عندما أسس رِزوان أحمد وعدنان يوسف مقهى في كراتشي يحمل اسم “ستار بخش”. منذ اللحظة الأولى، أثار الاسم والشعار حالة من الجدل، إذ حمل الشعار صورة رجل بشارب داخل دائرة خضراء اللون، في محاكاة ساخرة للشعار الشهير لستاربكس الذي تتوسطه حورية البحر. هذا التشابه البصري واللفظي لفت الانتباه سريعاً، واعتبرته ستاربكس تهديداً لعلامتها العالمية، رغم أنها لم تكن قد افتتحت أي فرع لها في باكستان حينها.
تقدمت ستاربكس بدعوى قضائية، معتبرة أن الاسم والشعار قد يخلقان التباساً لدى المستهلكين، أو على الأقل يضعفان من قوة علامتها المميزة. واستندت في ذلك إلى القوانين الدولية لحماية العلامات التجارية، مؤكدة أن شهرتها العالمية تمنحها حقاً إضافياً في حماية علامتها من أي تشابه قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ “تخفيف العلامة” أو فقدان تميزها.
لكن أصحاب “ستار بخش” قدّموا دفاعاً مختلفاً ومفاجئاً، إذ أوضحوا أن اختيارهم للاسم والشعار يدخل ضمن مفهوم “المحاكاة الساخرة”، وهو شكل من أشكال التعبير الإبداعي والثقافي المعترف به في العديد من الأنظمة القانونية حول العالم. وأكدوا أن الشعار لم يكن محاولة لتقليد ستاربكس، بل عملاً فنياً يحمل طابعاً محلياً وفكاهياً، حيث استُبدلت الحورية البحرية برجل بشارب، مع استخدام خطوط وألوان مختلفة، فضلاً عن قائمة طعام متنوعة تضم أطباقاً محلية وأسماء ساخرة.
كما أشار المؤسسان إلى أن الاسم نفسه، “ستار بخش”، يحمل جذوراً ثقافية في المجتمع الباكستاني، وأن المقهى يعكس الهوية المحلية أكثر مما يسعى إلى تقليد علامة عالمية. ومع مرور الوقت، قام المقهى بإدخال تعديلات على هويته البصرية لتقليل أي لبس محتمل، كما أضاف إخلاءات مسؤولية واضحة لتوضيح عدم وجود أي علاقة له بستاربكس. هذه الخطوات عززت موقفه القانوني وأظهرت أن الهدف لم يكن خداع المستهلك بل تقديم تجربة ذات طابع محلي مميز.
بعد سنوات طويلة من المرافعات والاعتراضات، أصدرت المحكمة الباكستانية حكمها لصالح المقهى المحلي، معتبرة أن المحاكاة الساخرة ممارسة مشروعة لا تشكّل انتهاكاً لقوانين العلامات التجارية. وأكد القاضي أن الفروقات بين العلامتين كافية لتمييزهما، وأن المستهلك الباكستاني قادر على إدراك الاختلاف بين المقهى المحلي والعملاق العالمي.
هذا الحكم اعتُبر نصراً تاريخياً للشركات الصغيرة أمام الشركات متعددة الجنسيات، إذ أظهر أن قوة العلامات التجارية لا تعني بالضرورة أنها فوق النقد أو السخرية أو الثقافة المحلية. كما فتح الباب أمام نقاشات واسعة حول مدى قدرة القوانين الدولية على التوفيق بين حماية العلامات التجارية وبين حماية حرية التعبير والإبداع الفني.
قصة “ستار بخش” لم تعد مجرد نزاع قانوني حول اسم أو شعار، بل أصبحت رمزاً لمقاومة العولمة الثقافية، ودليلاً على أن الهوية المحلية والفكاهة يمكن أن تتحول إلى أدوات فعّالة لمواجهة النفوذ العالمي. فقد أثبت المقهى أن الثقافة الشعبية يمكن أن تفرض حضورها حتى في وجه واحدة من أقوى العلامات التجارية في العالم، وأن الإبداع قادر على حماية أصغر المشاريع من أقسى المعارك القانونية.
وبعد 12 عاماً من الصراع، يُنظر اليوم إلى “ستار بخش” باعتباره أكثر من مجرد مقهى محلي، بل قصة نجاح ثقافية وقانونية. فقد تحوّل إلى نموذج عن كيفية انتصار الأصالة والإبداع على القوة التجارية، وأصبح جزءاً من النقاش العالمي حول مستقبل العلامات التجارية وحقوق الملكية الفكرية في عالم يتقاطع فيه القانون مع الثقافة والهوية.
بهذا الحكم، دخل “ستار بخش” التاريخ كأول مقهى محلي يهزم ستاربكس في نزاع قضائي طويل الأمد، مؤكداً أن الإبداع المحلي يمكن أن يكون أقوى من النفوذ العالمي، وأن أبسط فكرة ساخرة قد تتحول إلى انتصار كبير.