Site icon عالم القهوة

قهوة تَرّازو.. كنز المرتفعات في كوستاريكا

A high-resolution photo of a coffee plantation showing lush green leaves and clusters of red and green coffee cherries in the foreground, set against a clear blue sky with a few clouds and distant hills.

دبي، 20 أغسطس 2025 (قهوة ورلد) – بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أمس عن مبادرة علمية جديدة لحماية أصالة قهوة تَرّازو باستخدام تقنيات نووية متقدمة، عاد الضوء مجددًا ليسلّط على هذا الموطن الفريد الذي اشتهر عبر القرون بجودة استثنائية تجمع بين التراث والاستدامة والنكهة المتفرّدة.

رغم أن كوستاريكا تسهم بأقل من واحد في المئة من الإنتاج العالمي للقهوة، إلا أن سمعتها تفوق حجمها بكثير. فبحسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية، تنتج البلاد نحو 1.18 إلى 1.19 مليون كيس سنويًا، مقارنةً بإجمالي إنتاج عالمي يتجاوز 178 مليون كيس. لكن قهوة تَرّازو تحديدًا نجحت في حجز مكانتها بين الأصول الأكثر تميزًا، بفضل توليفة نادرة من الارتفاعات الشاهقة والمناخ الفريد وأساليب الزراعة الحرفية التي يتوارثها المزارعون جيلًا بعد جيل.

جغرافيا وهوية مميّزة

تقع منطقة تَرّازو في مرتفعات “لوس سانتوس”، وتشمل كانتونات تَرّازو ودوتا وليون كورتيز. وتزرع مزارعها على ارتفاع يتراوح بين 1,200 و1,900 متر فوق سطح البحر، ما يصنف حبوبها ضمن فئة “Strictly Hard Bean” شديدة الصلابة. هذا الارتفاع يبطئ من نضج الحبوب، ويمنحها كثافة عالية وغنى بالسكريات والمركبات العطرية. أما التربة البركانية الغنية بالمعادن والمناخ الذي يتميز بسبعة أشهر ممطرة وخمسة أشهر جافة، فينتجان فنجانًا بخصائص لا تخطئها الذائقة: حموضة مشرقة، ونفحات زهرية، وتعقيد حمضي–حمضي برتغالي النكهة مع لمسة نهائية نظيفة وحلاوة متوازنة.

تحت ظلال أشجار الموز والحمضيات والأفوكادو والجوافة والمانجو، ينمو البن محميًا في نظام بيئي يحقق التوازن بين الزراعة والتنوع الحيوي. ويحافظ المزارعون، الذين ينتمون إلى عائلات تمتد جذورها عبر أجيال، على أساليب تقليدية، في حين يمنحهم نموذج “المطاحن الصغيرة” القدرة على التحكم في مراحل المعالجة، وتعزيز الشفافية من المزرعة إلى الفنجان، وفتح أبواب التجارة المباشرة مع محامص متخصصة في مختلف أنحاء العالم.

عام 2019، حصلت قهوة تَرّازو على الاعتراف الرسمي كمؤشر جغرافي محمي (PDO)، وهو إنجاز يحمي اسمها في أكثر من 180 دولة. هذا الاعتراف يضمن للمزارعين أسعارًا عادلة ويمنح المستهلكين ثقة بأن كل فنجان يحمل بصمة المكان الأصلي، ويعيد تأكيد دور القهوة كجزء من هوية كوستاريكا واستقلالها التاريخي.

بين التراث والعلوم الحديثة

لا تقتصر مكانة تَرّازو على البيئة الجغرافية والزراعة وحدها، بل تمتد إلى الثقافة المحلية. ومن أبرز رموزها الفاندولا، أداة تخمير خزفية يدوية ابتكرها الحرفي الكوستاريكي مينور ألفارو. تُصنع كل قطعة من الطين الطبيعي، وتُبرز النقاء والعطر اللذين يميزان قهوة تَرّازو. وهي ليست مجرد أداة، بل طقس ثقافي يعكس ارتباط القهوة بالحياة اليومية في كوستاريكا.

على الساحة العالمية، تواصل تَرّازو تألقها في مزادات القهوة المتخصصة مثل “كَب أوف إكسِلنس”، حيث تحصد درجات عالية وأسعارًا قياسية. ويتنافس المحامص في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا للحصول على حصص من إنتاجها، في تأكيد على مكانتها الاستثنائية في السوق العالمية.

أما المبادرة الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في إطار برنامج #Atoms4Food بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فتضيف بُعدًا علميًا جديدًا للقصة. إذ يعمل باحثون في جامعة كوستاريكا على بناء قاعدة بيانات جغرافية تعتمد على “البصمة النووية” للتحقق من مصدر الحبوب بدقة علمية غير مسبوقة. هذا المشروع يمنح المزارعين حماية أكبر من الغش التجاري، ويزيد من ثقة المستهلكين عالميًا.

لكن أصالة تَرّازو لم تكن يومًا بحاجة إلى مختبرات كي تُثبت وجودها، فهي محفوظة في عادات المزارعين، وفي احترامهم للأرض، وفي الإرث الذي ورثوه عبر الأجيال. واليوم، مع دخول العلم على الخط، تتعزز مكانة تَرّازو باعتبارها أيقونة ثقافية ودراسة علمية في آن واحد، تجمع بين التراث والابتكار، وتحمل في كل رشفة حكاية وطن وهوية متجذّرة.

Spread the love
Exit mobile version