A traditional Turkish coffee served in a small ornate cup on a bronze tray with a glass of water, a piece of Turkish delight, and a copper cezve in the background.

القهوة التركية.. من إرث اليونسكو إلى مهرجان إسطنبول 2025

القهوة التركية أكثر من مجرد مشروب، إنها تاريخ في فنجان. فقد كانت في قلب الإمبراطورية العثمانية لقرون طويلة، واليوم تعود بقوة لتجذب عشاق القهوة حول العالم، متجاوزة حدود تركيا لتصبح رمزاً عالمياً للتراث والهوية.

عندما نفكر في القهوة اليوم، ربما يتبادر إلى الذهن الإسبريسو أو اللاتيه السريع أو مشروبات الكولد برو. لكن حكاية القهوة تبدأ بشيء أقدم وأغنى وأكثر طقوسية: القهوة التركية. فهي ليست مجرد مشروب، بل تقليد عمره أكثر من 500 عام، وجسر ثقافي، وقد أُدرجت عام 2013 على قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية لدى منظمة اليونسكو.

القهوة التركية تدور حول المشاركة. يمكن شربها منفرداً، لكن جوهرها يكمن في الحديث واللقاء. فقد بدأت قصة القهوة في اليمن في القرن الخامس عشر، حين كان المتصوفة يشربونها للبقاء مستيقظين أثناء الصلوات الطويلة. ثم تطورت طريقة إعداد القهوة التركية لاحقاً في إسطنبول في القرن السادس عشر، ومنها انتشرت عبر المقاهي العثمانية إلى مختلف أنحاء العالم.

ما زال الجدل قائماً: هناك من يقول إن القهوة التركية هي ذاتها القهوة اليونانية، لكن كثيرين يرونها إرثاً عثمانياً أصيلاً. وما يميزها حقاً هو أسلوب التحضير. فهي لا تُخمّر بل تُطهى ببطء في إناء نحاسي صغير يُسمى “جزوة”، وتُقدَّم في فناجين صغيرة مع كوب ماء وقطعة راحة الحلقوم. وحتى بعد الانتهاء من شربها، يستمر الطقس عبر قراءة الفنجان، في طقس مرح يختلط فيه الأمل بالضحك. وفي بعض البيوت ما زالت العروس تقدّم لخطيبها فنجاناً مالحاً لاختبار صبره قبل الزواج.

ورغم أنها لم تبلغ شهرة الإسبريسو العالمية، فإن القهوة التركية تشهد اليوم عودة لافتة، من ورش عمل في لندن إلى جلسات قراءة الفنجان في نيويورك. فهي ليست عن الكافيين فقط، بل عن التواصل والتمهل واكتشاف الحكاية الكامنة في قاع الفنجان.

اعتراف اليونسكو

في عام 2013، أدرجت منظمة اليونسكو “ثقافة وتقاليد القهوة التركية” على قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية. جاء هذا الاعتراف تقديراً ليس فقط لطريقة التحضير، بل أيضاً للطقوس الاجتماعية المرتبطة بها، من الضيافة إلى تبادل الأحاديث والرمزية العائلية. وقد أكد ذلك أن القهوة التركية إرث حي يُنقل عبر الأجيال ويحمل قيمة حضارية عالمية.

مهرجان إسطنبول للقهوة 2025

هذا العام، يكتسب الحديث عن القهوة التركية زخماً خاصاً مع اقتراب النسخة الحادية عشرة من مهرجان إسطنبول للقهوة، الذي يُقام بين 11 و14 سبتمبر 2025 في منطقة كاديكوي بالضفة الآسيوية من المدينة. وقد أصبح المهرجان محطة سنوية لعشاق القهوة، يجمع بين المحامص والبرّاصتا والعلامات التجارية والفنانين والذواقة من مختلف أنحاء العالم.

وسط فعاليات التذوق وورش التحضير والعروض الثقافية، تتصدر القهوة التركية المشهد. وغالباً ما يسلط المنظمون الضوء على اعتراف اليونسكو بها كتراث إنساني، في تذكير بأن هذا المشروب ليس مجرد عادة يومية، بل تقليد حضاري متجدد يعرّف العالم بجزء أصيل من الثقافة التركية.

ما وراء الفنجان

من ورش الجزوة التقليدية إلى جلسات قراءة الفنجان، ومن العروض الموسيقية إلى لقاءات الحوار الثقافي، سيكون المهرجان هذا العام منصة للاحتفاء بالقهوة التركية كجسر بين الماضي والحاضر. وبينما يستمتع الزوار بنكهاتها ورموزها، تظل القهوة التركية رسالة عالمية عن قيمة المشاركة واللقاء والتقاليد التي تتجاوز حدود الزمان والمكان.

بعد خمسة قرون من بدايتها، ما زالت القهوة التركية تحمل جوهرها الأول: قصة تنتظر من يكتشفها في قاع الفنجان.

Spread the love
نشر في :
WhatsApp Icon