في الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة نيتها فرض رسوم جمركية بنسبة تصل إلى 50% على وارداتها من البرازيل، تصاعدت المخاوف بشأن مستقبل تجارة القهوة بين البلدين، خاصة أن البرازيل تُعد أكبر مصدر للبن إلى السوق الأميركية. ومع ذلك، لم تصمد الأسعار طويلًا أمام زخم موسم الحصاد، حيث واصلت التراجع في الأسواق العالمية مدفوعة بوفرة المعروض.
القرار الأميركي، الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب، يستهدف سلعًا رئيسية مثل القهوة، وعصير البرتقال، واللحوم، والطائرات الإقليمية. واعتُبر القرار ذا خلفية سياسية، مرتبطًا بمحاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الحليف المقرب من ترامب، إضافة إلى خلافات بشأن التزام شركات التكنولوجيا الأميركية بالقوانين البرازيلية.
الأسعار تنخفض رغم التصعيد السياسي
رغم القلق الذي أثاره إعلان الرسوم في الأسواق، شهدت أسعار القهوة العالمية تراجعًا بنهاية الأسبوع؛ حيث انخفضت عقود قهوة أرابيكا بنسبة 0.45%، في حين سجلت قهوة روبوستا هبوطًا حادًا بنسبة 3.13%، لتصل إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عام.
ويُعزى هذا التراجع إلى تقدم موسم الحصاد في البرازيل. فقد أظهرت بيانات شركة “سافراس وميركادو” أن 69% من محصول القهوة لموسم 2025/2026 قد جُني حتى التاسع من يوليو، بزيادة ملحوظة مقارنة بالمعدل السنوي البالغ 62%. وتشمل هذه النسبة 88% من محصول الروبوستا و58% من الأرابيكا. وفي المقابل، أفادت تعاونية “كوكشوبي”، أكبر اتحاد لمزارعي القهوة في البرازيل، أن نسبة الإنجاز بلغت 40% فقط حتى الرابع من يوليو، مقارنة بـ52% في الفترة نفسها من العام الماضي.
وفرة المعروض تتفوق على تأثير السياسة
رغم التوترات الجيوسياسية، تشير التوقعات إلى أن وفرة الإنتاج العالمي هي المحرك الرئيس للأسعار. إذ توقعت وزارة الزراعة الأميركية أن يصل إنتاج البرازيل إلى 65 مليون كيس من القهوة هذا الموسم، في حين يُتوقع أن ترتفع الكمية المنتجة في فيتنام إلى 31 مليون كيس، وهو أعلى مستوى منذ أربع سنوات.
كما أظهر التقرير النصف السنوي للوزارة أن الإنتاج العالمي من القهوة سيزداد بنسبة 2.5%، ليبلغ 178.68 مليون كيس في موسم 2025/2026، مع ارتفاع ملحوظ في إنتاج الروبوستا مقابل تراجع طفيف في الأرابيكا. كما يُتوقع أن ترتفع المخزونات العالمية إلى 22.82 مليون كيس.
وفي المقابل، توقعت شركة فولكافيه المختصة بتجارة القهوة، أن يشهد سوق الأرابيكا عجزًا يُقدّر بـ8.5 ملايين كيس خلال الموسم الحالي، وهو العجز الخامس على التوالي.
البرازيل ترفض التصعيد وتسعى للحل الدبلوماسي
تُعد البرازيل أكبر مزود للقهوة في السوق الأميركية، حيث تغطي نحو 30% من وارداتها. ويرى خبراء القطاع أن فرض الرسوم الجمركية قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، ما سينعكس مباشرة على أسعار التجزئة في الولايات المتحدة.
في هذا السياق، قال ماركوس ماتوس، المدير التنفيذي لمجلس مصدري القهوة البرازيلية:
“هذه الرسوم ستؤثر على الوظائف والدخل في البرازيل، كما ستلحق الضرر بالصناعة الأميركية والمستهلك النهائي الذي سيتحمّل الزيادة في الأسعار”.
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا أعرب عن استيائه من القرار الأميركي، لكنه شدد على أن بلاده ستمنح المسار الدبلوماسي الأولوية حتى اللحظة الأخيرة، لتفادي صدام تجاري يضر بمصالح الطرفين.
ما بين الحقول والقرارات.. مصير القهوة يُصاغ
رغم الضجيج السياسي، فإن الواقع الاقتصادي يشير إلى أن الأسعار تتحدد اليوم أكثر بفعل المعروض والمناخ وسلاسل الإمداد، لا بمجرد التهديدات الجمركية. ومع اقتراب موعد تنفيذ الرسوم في أغسطس، يترقب العالم ما إذا كانت الدبلوماسية ستنقذ حبوب البن من مواجهة قاسية، أم أن الأميركيين سيبدأون في دفع ثمن أغلى لفنجان قهوتهم الصباحي.