قمة الإمارات للابتكار في القهوة ترسم ملامح مستقبل القطاع وتطلق نقاشًا مهنيا حول التعليم والتدريب
شهدت دبي، يوم الإثنين الموافق 23 يونيو 2025 ، انعقاد قمة الإمارات للابتكار في القهوة، التي نُظّمت في مختبر الخبرة التابع لمجموعة سيمونيللي وفيكتوريا أردوينو، بمشاركة واسعة من أصحاب المقاهي، المحمّصين، خبراء الصناعة، الباريستا، وممثلي الجهات الفاعلة في قطاع القهوة في الدولة. وقد مثّلت القمة أول حدث من نوعه في الإمارات، اعتمد على الحوار المفتوح بدلًا من الخطابات الرسمية، وسعى إلى مناقشة سبل الابتكار والتطوير، واستشراف مستقبل صناعة القهوة محليًا وعالميًا.
تميزت القمة بأجواء تفاعلية غير تقليدية، حيث لم تُعقد أي جلسات نقاشية أو كلمات من على المنصة، بل فُتح المجال أمام الحضور لتبادل الأفكار والآراء في أجواء منفتحة. وقد أكد المنظمون أن الحدث غير سياسي، بل يهدف إلى جمع كل المعنيين بالصناعة في مكان واحد لطرح سؤال محوري: كيف يمكننا أن نصبح أفضل كمجتمع قهوة؟
دار خلال القمة عدد كبير من النقاشات وطرحت رؤى متنوعة من مختلف المشاركين، تمحورت حول قضايا محورية، أبرزها الابتكار في الصناعة، والتحديات المستقبلية، خاصة في مجال التعليم والتدريب، وتمكين الباريستا، وتحديد الجهة أو الجهات التي ينبغي أن تتحمل مسؤولية هذا الجانب. وقد أجمعت غالبية الأصوات على أن الارتقاء بجودة التعليم والتدريب يشكل ركيزة لا غنى عنها لضمان استدامة وتطور القطاع، وطرحت العديد من المقترحات العملية التي سيتم التوسع في مناقشتها في سلسلة مقالات لاحقة على “قهوة ورلد”.
جارفيلد كير: دبي غيرت قواعد اللعبة عالميًا
افتتح القمة السيد جارفيلد كير، رئيس جمعية القهوة المختصة (SCA) ومؤسس مقهى موكا 1450، بكلمة أكد فيها أن الإمارات، وتحديدًا دبي، أصبحت اليوم من أبرز مراكز القهوة المختصة في العالم. وقال: “أعتقد أن الإمارات تقود صناعة القهوة المختصة عالميًا. هنا تستطيع أن تجد أي نوع من القهوة، من أندر الحبوب إلى جميع طرق التحضير، وهو ما لا يمكن العثور عليه بسهولة حتى في دول كنا نعتبرها سابقًا رائدة مثل أستراليا أو المملكة المتحدة”.
وسرد كير تفاصيل مهمة عن دور الإمارات في توحيد جمعية القهوة المختصة عالميًا، موضحًا أنه لولا وجود دولة مثل الإمارات لما توحدت الجمعية، إذ كانت في السابق عبارة عن كيانات إقليمية في أمريكا وأوروبا. كما كشف أن معرض “عالم القهوة” لم يكن يُنظّم إلا في أوروبا وأمريكا، حتى جاءت دبي ونظمته لأول مرة خارج هذه القارات، وحقق نجاحًا استثنائيًا، ما دفع إلى تعميمه لاحقًا حول العالم.
وأضاف أن شعار “عالم القهوة” العالمي الحالي، قد نشأ فعليًا في دبي، وتحول إلى الهوية الرسمية للمعرض على مستوى العالم، مؤكدًا بذلك مكانة دبي كمحرك رئيسي للتغيير في القطاع.
وعن السمات الحالية لمجتمع القهوة الإماراتي، قال كير: “نحن نتمتع بتنوع كبير في طرق التحضير، ويمكنك أن تجد في مقاهي الإمارات كيمكس، سايفون، إبريق، وغيرها من الأدوات النادرة، وهذا أمر لا تراه حتى في أكثر الأسواق تقدمًا”. وتابع: “لكن الأهم هو العمل معًا كمجتمع. نحتاج إلى ثقة متبادلة، وقواعد واضحة، وإطار أخلاقي يجمعنا”.
محمد عيسى الغرير: التنافس يجب أن يكون عادلًا لا استئصاليًا
من جهته، أكد محمد عيسى الغرير، المدير التنفيذي لشركة كرم للصناعات الغذائية، على أهمية التنافس بين الفاعلين في قطاع القهوة، لكنه شدد على أن التنافس يجب أن يكون عادلًا وبنّاءً لا قائمًا على الإقصاء. وقال: “نعم، نحن بحاجة إلى التنافس من بارستا إلى بارستا، ومن محمصة إلى محمصة، لكن هذا لا يعني أن نحاول القضاء على الآخرين. التنافس القوي يخلق منتجًا قويًا، لكن بشرط أن يكون في إطار احترام وتقدير”.
وسلط الغرير الضوء على تجربته الشخصية، مشيرًا إلى أنه دخل عالم القهوة في عام 2013، قادمًا من خلفية في تجارة السلع، وكان يتعامل مع منتجات لا طعم لها ولا لون. وأضاف: “أما اليوم، فأنا أتعامل مع منتج غني بالنكهة والرائحة واللون، ويجب أن يكون المجتمع المحيط به غنيًا ومتنوعًا كذلك”.
وتحدث عن أهمية اللقاءات الجماعية بين الفاعلين في القطاع، مؤكدًا أن “كل واحد في هذا المجال، حتى وإن لم يكن إماراتيًا، يُعتبر ممثلًا غير رسمي للإمارات عندما يغادرها، لأن مشروعه واستثماره بدأ هنا”.
ودعا الغرير إلى تعزيز ثقافة الحوار المفتوح داخل القطاع، وقال: “دعونا نجلس معًا ونتحدث بصراحة عن مواطن القوة والضعف. إذا لم تعجبك قهوتي، أخبرني بذلك وسأحاول إصلاحها. هذا هو السبيل للنمو الجماعي الحقيقي”.
السيدة كيم تومسون: لا مستقبل للقطاع دون تدريب وتمكين
أما السيدة كيم، الشريكة المؤسسة في شركة راو كوفي، فقدمت مداخلة صريحة عن بداياتها، قالت فيها: “عندما بدأنا، لم تكن هناك قهوة مميزة، ولم أكن أعرف حتى ما هو رائد الأعمال. ربما كانت سذاجتي مفيدة في تلك المرحلة، فقد منحتني دافعًا للتعلّم والنمو”.
وأكدت كيم أن أبرز التحديات التي تواجه القطاع اليوم تكمن في أن عددًا كبيرًا من العاملين في المقاهي لا يرتبطون فعليًا بالمهنة، بل يأتون إلى الإمارات بهدف كسب المال وتحويله إلى بلدانهم. وأضافت: “من دون تدريب وتمكين حقيقي لهؤلاء، لن تستطيع أي شركة النجاح، مهما كان نوع القهوة التي تقدمها”.
وتحدثت عن دور الإمارات الجغرافي في تسهيل استيراد البن الأخضر، مشيرة إلى أن موقع الدولة مثالي حتى في ظل التحديات العالمية. كما أبدت قلقها من مستقبل بلدان المنشأ، مؤكدة أن دعم هذه الدول يجب أن يكون على رأس أولويات الفاعلين في القطاع.
وقالت كيم: “لا أحبذ المسابقات ولا أرى فيها تركيزًا كافيًا على التحديات الحقيقية. ما يشغلني اليوم هو كيفية الحفاظ على مصادر القهوة، وضمان القدرة على شراء البن من بلدانه الأصلية في المستقبل”.
واختتمت كلمتها بالدعوة إلى الابتكار قائلة: “ما كان يُعد معيارًا للنجاح قبل 15 عامًا لم يعد كافيًا اليوم. علينا أن نبتكر ونفكر بطريقة جديدة. لا يمكننا الاستمرار بتكرار ما فعلناه سابقًا إذا أردنا الاستمرار والتطور”.
كشفت قمة الإمارات للابتكار في القهوة عن عمق التحديات التي يواجهها القطاع من جهة، وعن اتساع آفاق التعاون والإبداع من جهة أخرى. وأثبتت المناقشات التي جرت على هامشها أن هناك وعيًا متناميًا بضرورة الاستثمار في التعليم، وتمكين العاملين، وتفعيل الحوار البنّاء بين جميع مكونات القطاع.
وسنقوم في“عالم لقهوة” باستعراض أبرز المقترحات والرؤى التي طُرحت خلال القمة في سلسلة مقالات تحليلية قادمة، لتبقى هذه القمة نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من التغيير في صناعة القهوة الإماراتية.