يانيس أباستولوپولوس يتحدث بصراحة عن ماضي وحاضر ومستقبل القهوة المختصة
دبي – قهوة ورلد
نشرت منصة ذا فيفث ويف بودكاست لقاءً مطولًا مع يانيس أباستولوپولوس، الرئيس التنفيذي لـ جمعية القهوة المختصة، بعنوان «الماضي والحاضر والمستقبل في عالم القهوة المختصة».
ونظرًا لأهمية ما جاء في هذا الحوار، تعيد قهوة ورلد نشره بتصرّف، لما يتضمّنه من رؤى عميقة حول مستقبل صناعة القهوة ودور الجمعية في تطويرها عالميًا.
في هذه الحلقة، يتحدث يانيس أباستولوپولوس عن تطور جمعية القهوة المختصة منذ تأسيسها في ثمانينيات القرن الماضي، بوصفها أكبر هيئة تجارية عالمية في مجال القهوة، تمثل آلاف المهنيين من مختلف مراحل سلسلة القيمة — من المزارعين إلى المحمصين وصناع القهوة.
يتناول الحوار جهود الجمعية المستمرة لجعل القهوة أكثر استدامة وعدلاً ومرونة من خلال البحث والمعايير والتعليم، إلى جانب رؤيته للتحديات والفرص الكبرى التي تواجه القطاع، مثل تغيّر المناخ، والاستدامة، والتطور التقني، والذكاء الاصطناعي.
بدايات يانيس وعلاقته بالقهوة
يقول يانيس: «قصتي مع القهوة بدأت من عالم النبيذ والمشروبات الروحية. في عام 2009 قررت الشركة التي أعمل بها دخول مجال القهوة، ومع الوقت اكتشفت أن هذا المجال يحمل شيئًا مختلفًا — إنه منتج يجمع الناس ويؤثر في حياتهم.»
ويضيف: «أدركت أنني للمرة الأولى أعمل في منتج مفيد للصحة، ويمكن أن يسهم في تحسين حياة الناس في مختلف أنحاء العالم. وهنا بدأ شغفي بعالم القهوة المختصة.»
بدأ يانيس عمله متطوعًا في فرع الجمعية باليونان، ثم عضوًا في مجلس الإدارة، قبل أن يقود عملية الدمج التاريخية بين فرعي الجمعية الأمريكي والأوروبي، ليصبح في نهاية عام 2018 رئيسًا للجمعية.
ويقول: «لم أكن أتخيل أن العام التالي سيشهد جائحة غيرت كل شيء، من المعارض إلى طريقة التواصل. لكننا وسعنا نطاق عملنا وأصبحنا نفعل أكثر من مجرد تنظيم الفعاليات.»
دور الجمعية وتأثيرها
«نحن في جمعية القهوة المختصة نسعى لجعل القهوة أكثر استدامة وعدلاً وازدهارًا لكل من يعمل في هذا القطاع.»
تعمل الجمعية عبر ثلاثة محاور رئيسية: البحث العلمي، تطوير المعايير، والتعليم والتدريب.
ومن أشهر معاييرها «نموذج التذوق» الذي تم تحديثه مؤخرًا استنادًا إلى نظام «تقييم قيمة القهوة» الجديد.
يُدرّب البرنامج التعليمي للجمعية أكثر من 80 ألف شخص سنويًا حول العالم، بهدف سد فجوات المهارة ودعم العاملين في مختلف مجالات القهوة.
ويعتقد يانيس أن المهن المرتبطة بالضيافة ستصبح أكثر جاذبية في المستقبل رغم صعود الذكاء الاصطناعي، لأن القهوة ستظل «منتجًا إنسانيًا بامتياز».
القيم والتحديات في سلسلة القهوة
يقول يانيس: «حين توجد التحديات، فهناك أيضًا الفرص.» تركز الجمعية اليوم على القيمة في سلسلة التوريد — كيف تُولَد، وكيف تُوزَّع بعدل بين الأطراف المختلفة.
ويشرح قائلاً: «القهوة المختصة ليست مجرد درجات تذوق أو أسعار، بل تجربة متكاملة ناتجة عن خصائص مميزة ترفع قيمتها في السوق.»
القيمة هنا تشمل الجوانب الجوهرية (مثل النكهة والبنية الفيزيائية للحبوب)، والخارجية (مثل بلد المنشأ وطريقة المعالجة والقصة وراءها)، والذوق الشخصي الذي يحدد استعداد المستهلك للدفع مقابل تجربة معينة.
بهذا المفهوم وُضع نظام تقييم قيمة القهوة الذي يربط الجودة بالتصور الإنساني للقيمة.
البحث والبيانات وربط المزارعين بالأسواق
تعاونت الجمعية مع معهد لانيا في المكسيك لإنشاء قاعدة بيانات عالمية ونظام تحليل تفضيلات المستهلكين، بحيث يمكن للمزارعين معرفة الأسواق التي تفضّل خصائص قهوتهم، وبالتالي رفع العائد من المحصول.
كما بدأت تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي بجمع بيانات من المتذوقين والمستهلكين لقياس الأذواق المختلفة ومساعدة المزارعين في اتخاذ قرارات تسويقية أفضل.
يقول يانيس: «نريد لصناعة القهوة أن تتطور كما حدث مع النبيذ، فالمستهلكون الجدد يبحثون عن الشفافية والتجربة. وعلينا أن نركب هذه الموجة ونجعلهم متحمسين لاكتشاف القهوة.»
الاستدامة والمخاطر والعدالة
يشير يانيس إلى تحديات كبيرة مثل تغير المناخ، وتقدّم أعمار المزارعين، وتقلب الأسعار العالمية، موضحًا أن الأسعار الحالية، رغم ارتفاعها، «تعكس أخيرًا المخاطر التي يتحملها المزارعون».
ويضيف: «القهوة والكاكاو نشأتا في ظل أنظمة استعمارية تاريخية، ما جعل العدالة غائبة عن كثير من سلاسل القيمة. مهمتنا اليوم أن نجعل القهوة أكثر إنصافًا واستدامة.»
كما يرى أن العدالة يجب أن تمتد إلى العاملين في المقاهي داخل المدن الكبرى، إذ يعاني كثير منهم من ضعف الدخل رغم الجهد الكبير الذي يبذلونه في هذه الصناعة.
الفرص المستقبلية
يبدي يانيس تفاؤله الكبير بمستقبل القهوة، مشيرًا إلى ثلاث فرص رئيسية:
-
التقنية والبيانات: ستجعل التجارة أكثر شفافية وعدلاً.
-
نمو الاستهلاك المحلي في الدول المنتجة: مثل البرازيل التي تقترب من أن تصبح أكبر دولة مستهلكة للقهوة في العالم.
-
العمل التعاوني: بين الشركات والمنظمات لتطوير حلول واقعية ومستدامة.
كما يؤكد أن التجريب والإبداع ضروريان حتى لو صاحبتهما أخطاء، لأنهما الطريق نحو التقدم.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
يقول يانيس إن الذكاء الاصطناعي لن يغيّر الطبيعة الزراعية للقهوة، لكنه سيحدث ثورة في طرق التجارة والتسويق والتقييم، مضيفًا: «لقد رأيت أنظمة ذكاء اصطناعي تساعد المزارعين في اكتشاف الأمراض والتنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها، بل وحتى تحليل ملاحظات المتذوقين لتوجيه المنتج نحو ما يفضله المشترون.»
لكنه يحذر من التحيز في البيانات، مشددًا على ضرورة بناء نظم عادلة تعكس تنوع أذواق العالم ومصادر القهوة المختلفة.
أمثلة على البحث والابتكار
يشيد يانيس بمراكز الأبحاث مثل مؤسسة بحوث القهوة العالمية ومركز سينيكافيه في كولومبيا، الذي طور صنف «كاستيو ٢٫٠» المقاوم للأمراض بعد ٢٥ عامًا من العمل، ويُقدَّم اليوم للمزارعين بأسعار ميسرة وجودة عالية.
ويقول: «علينا أن نتعلم من هذه النماذج ونساعد الدول الصغيرة على إنشاء مراكز بحث مشابهة، فمستقبل القهوة يعتمد على العلم والتطوير طويل الأمد.»
رؤية متفائلة للمستقبل
يختم يانيس حديثه قائلًا: «إشراك المستهلكين بطرق جديدة يمكن أن يسرّع التغيير الذي نطمح إليه. ولكن على الصناعة نفسها أن تتبنى الحلول وتواصل السعي لجعل القهوة أفضل للجميع.»